(ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ) وقوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ. وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) قال المفسّرون نزلت هذه الآية فى ابىّ ابن خلف حيث خاصم النّبيّ (ص) وأتاه بعظم قد رمّ وبلى ففتّه بيده ، وقال : يا محمّد أترى الله يحيي هذا بعد ما رمّ؟ ، قال : نعم ويبعثك ويدخلك النار. وأنت تعلم انّ هذا مما يقلع عرق التأويل ، ولذلك قال الرّازى : الإنصاف انّه لا يمكن الجمع بين ايمان بما جاء به النّبيّ (ص) وبين إنكار حشر الجسمانى ، وغير ذلك من الآيات الواردة فى هذا المعنى كثير جدّا. ولا يذهب عليك انّ الاستدلال بالآية على ثبوت المعاد البدنىّ إنّما يتمّ بملاحظة إمكانه وصدق المخبر فيها فيكون هذا الدّليل راجعا إلى الدّليل السّابق عليه فالأولى تركه ، أو ايراد قوله للآيات الخ اشارة بدون العطف قبل نتيجة الدّليل السّابق دليلا على اختيار الشّارع بثبوته كما انّ الاولى أن يقول على الإنكار باعادة حرف الجرّ ليوافق المذهب المشهور المنصور عند الجمهور فى العطف على الضمير المجرور على ما لا يخفى.
واعلم انّ ثبوت المعاد البدنىّ لكلّ إنسان مما يجب اعتقاده ويكفر جاحده ، لما عرفت انّه من ضروريّات الدّين ، وان لم يكن بعض ادلّة المصنف دالّا على ذلك. وأمّا المعاد الرّوحاني فلا يتعلّق التّكليف باعتقاده لا إثباتا ولا نفيا ، بل هو من وظائف الفلسفة ، والقائلون بهما معا أرادوا أن يجمعوا بين الشّريعة والحكمة على ما يستفاد من كلام الشيخ الرئيس فى الشفا وصرّح به الرازى فى بعض تصانيفه.
لا يقال إذا أكل إنسان إنسانا آخر بحيث صار جزء من الماكول جزء للآكل ، فذلك الجزء إمّا أن يعاد فيهما وهو محال ، أو فى احدهما فلا يكون الآخر معادا ، فلا يصح الحكم بثبوت المعاد البدنىّ لكلّ انسان.
لأنّا نقول : المعتبر فى المعاد البدنىّ جمع الأجزاء الأصليّة الباقية من أوّل العمر إلى آخره لا جميع الأجزاء ، وأجزاء الإنسان الماكول فضلة فى الآكل لا اصليّة.