هذا القن اصول الدّين ، لأنّ سائر العلوم الدّينية من الحديث والفقه والتّفسير مبنيّة عليه ، فانّها متوقّفة على صدق الرّسول ، وصدق الرّسول متوقّف على ثبوت المرسل وصفاته وعدله وامتناع القبح عليه. وعلم الأصول وهو ما يبحث فيه عن وحدانيّة الله تعالى وصفاته وعدله ، ونبوّة الأنبياء والاقرار بما جاء به النّبيّ ، وإمامة الأئمّة والمعاد.
قال : أجمع العلماء كافّة على وجوب معرفة الله تعالى وصفاته الثّبوتيّة والسّلبيّة ، وما يصحّ عليه وما يمتنع عنه ، والنّبوّة والإمامة والمعاد.
اقول : اتّفق أهل الحلّ والعقد من أمّة محمّد ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ على وجوب هذه المعارف ، وإجماعهم حجّة اتّفاقا أما عندنا فلدخول المعصوم فيهم ، وأما عند الغير ، فلقوله (ص) : لا تجتمع أمّتى على خطأ والدليل على وجوب المعرفة سندا للاجماع على وجهين : عقلىّ وسمعيّ.
أمّا الأوّل فلوجهين : الاوّل ، انّها دافعة للخوف الحاصل للانسان من الاختلاف ، ودفع الخوف واجب ، لانّه ألم نفسانىّ يمكن دفعه ، فيحكم العقل بوجوب دفعه ، فيجب دفعه. الثانى ، انّ شكر المنعم واجب ، ولا يتمّ الا بالمعرفة ، أما انّه واجب ، فلاستحقاق الذّمّ عند العقلاء بتركه ، وأما انه لا يتمّ الا بالمعرفة ، فلان الشّكر انّما يكون بما يناسب حال المشكور ، فهو مسبوق بمعرفته ، والّا لم يكن شكرا. والبارى تعالى منعم ، فيجب شكره ، فيجب معرفته ، ولمّا كان التكليف واجبا فى الحكمة كما سيأتي ، وجب معرفة مبلّغه ، وهو النّبيّ (ص) ، وحافظه والامام ، ومعرفة المعاد لاستلزام التكليف وجوب الجزاء.
وامّا الدليل السّمعى فلوجهين : الاوّل ، قوله تعالى : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) والامر للوجوب. والثانى ، لما نزل قوله تعالى : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ) قال النبىّ : ويل لمن لاكها