ونبوع الماء من بين أصابعه ، وإشباع الخلق الكثير من الطّعام القليل ، وتسبيح الحصى فى كفّه ، وكلام الذّراع المسموم ، وحنين الجذع وكلام الحيوانات الصّامتة ، والأخبار بالغائبات واستجابة دعائه وغير ذلك مما لا يحصى كثرة وذلك معلوم فى كتب المعجزات والتواريخ حتى حفظ عنه ما ينيف على الألف الّذي أعظمها وأشرفها الكتاب العزيز الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، لا تملّه الطّباع ولا تمجّه الأسماع ، ولا يخلق بكثرة الرّد إليه ولا تنجلى الظّلمات الّا به. واما الثّالث ، فلأنّه لو لم يكن صادقا فى دعوى النّبوّة لكان كاذبا ، وهو باطل ، اذ يلزم منه إغراء المكلّفين باتّباع الكاذب ، وذلك قبيح لا يفعله الحكيم.
قال : الثّاني ، فى وجوب عصمته. العصمة لطف خفىّ يفعل الله تعالى بالمكلّف بحيث لا يكون له داع إلى ترك الطّاعة وارتكاب المعصية مع قدرته على ذلك ، لأنّه لو لا ذلك لم يحصل الوثوق بقوله فانتفت فائدة البعثة وهو محال.
اقول : اعلم انّ المعصوم يشارك غيره فى الألطاف المقرّبة ويحصل له زائد على ذلك لأجل ملكة نفسانيّة ، لطف يفعل الله بحيث لا يختار معه ترك طاعة ولا فعل معصية مع قدرته على ذلك. وذهب بعضهم الى انّ المعصوم لا يمكنه الإتيان بالمعاصي وهو باطل ، وإلّا لما استحقّ مدحا.
اذ تقرّر هذا فاعلم ، انّ النّاس اختلفوا فى عصمة الأنبياء (ص) فجوّزت الخوارج عليهم الذّنوب ، وعندهم كلّ ذنب كفر. والحشويّة جوّزوا الإقدام على الكبائر ، ومنهم من منعها عمدا لا سهوا ، وجوّزوا تعمّد الصغائر. والأشاعرة منعوا الكبائر مطلقا وجوّزوا الصّغائر سهوا. والإمامية أوجبوا العصمة مطلقا عن كلّ معصية عمدا وسهوا وهو الحقّ لوجهين : الأوّل ما أشار إليه المصنّف وتقريره أنّه لو لم يكن الأنبياء معصومين لا نتفت فائدة البعثة ، واللّازم باطل ، فالملزوم مثله. بيان الملازمة أنّه إذا جازت المعصية عليهم