الثّاني ، يجب دوام الثّواب والعقاب للمستحقّ مطلقا ، كما فى حقّ من يموت على إيمانه ومن يموت على كفره ، لدوام المدح والذّم على ما يستحقّان به ، ويحصل نقيض كلّ واحد منهما لو لم يكن دائما إذ لا واسطة بينهما ، ويجب أن يكونا خالصين من مخالطة الضّد وإلّا لم يحصل مفهومهما ، ويجب اقتران الثّواب بالتّعظيم والعقاب بالإهانة ، لأنّ فاعل الطّاعة مستحقّ للتّعظيم مطلقا وفاعل المعصية مستحقّ للإهانة مطلقا.
الثّالث ، استحقاق الثّواب يجوز توقّفه على شرط إذ لو لا ذلك لكان العارف بالله تعالى مع جهله بالنبى (ص) مستحقّا له وهو باطل ، فإذن هو مشروط بالموافاة لقوله تعالى : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) ولقوله تعالى : (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ).
الرّابع ، الّذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم أولئك يستحقّون الثّواب الدّائم مطلقا ، والّذين كفروا وماتوا وهم كفّار اولئك يستحقّون العقاب الدّائم مطلقا ، والّذي آمن وخلط عملا صالحا وآخر سيّئا ، فإن كان السيّئ صغيرا فذلك يقع مغفورا إجماعا ، وإن كان كبيرا فإمّا أن يوافى بالتّوبة فهو من أهل الثّواب مطلقا اجماعا ، وإن لم يواف بها فإمّا أن يستحقّ ثواب إيمانه أولا ، والثّاني باطل لاستلزامه الظلم ولقوله تعالى : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) فتعيّن الأوّل. فأمّا ان يثاب ثمّ يعاقب وهو باطل للإجماع ، على انّ من دخل الجنّة لا يخرج منها فحينئذ يلزم بطلان العقاب ، أو يعاقب ثمّ يثاب وهو المطلوب. ولقوله (ص) فى حق هؤلاء : يخرجون من النّار وهم كالحمم أو كالفحم فيراهم أهل الجنّة فيقولون هؤلاء جهنّميّون فيؤمر بهم فيغمسون فى عين الحيوان فيخرجون ووجوههم كالبدر فى ليلة تمامة.
وأمّا الآيات الدّالّة على عقاب العصاة وخلودهم فى النّار ، فالمراد بالخلود هو المكث الطويل ، واستعماله بهذا المعنى كثير. والمراد بالفجّار والعصاة الكاملون فى فجورهم