وعصيانهم وهم الكفّار ، بدليل قوله تعالى : (أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ) توفيقا بينه وبين الآيات الدّالّة على اختصاص العقاب بالكفّار نحو قوله تعالى : (إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ) وغير ذلك من الآيات.
ثمّ اعلم ، إنّ صاحب الكبيرة إنّما يعاقب إذا لم يحصل له أحد الامرين : الأوّل ، عفو الله ، فانّ عفوه مرجو متوقّع خصوصا وقد وعد به فى قوله : (وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ ، إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ). وخلف الوعد غير مستحسن من الجواد المطلق ، ولتمدّحه بأنّه غفور رحيم ، وليس ذلك متوجّها إلى الصّغائر ولا إلى الكبائر بعد التوبة للإجماع على سقوط العقاب فيهما فلا فائدة فى العفو حينئذ ، فتعيّن أن يكون الكبائر قبل التّوبة وذلك هو المطلوب. الثّاني ، شفاعة نبينا رسول الله (ص) فان شفاعته متوقّعة بل واقعة لقوله تعالى : (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) وصاحب الكبيرة مؤمن لتصديقه بالله ورسوله وإقراره بما جاء به النبىّ ، وذلك هو الإيمان ، إذ الايمان فى اللّغة هو التّصديق وهو هنا كذلك. وليست الأعمال الصّالحة جزء منه لعطفها على الفعل المقتضى لمغايرتها له ، وإذا أمر بالاستغفار لم يتركه لعصمته ، واستغفاره مقبول لأمّته تحصيلا لمرضاته لقوله تعالى : (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) هذا مع قوله (ص) : ادّخرت شفاعتى لأهل الكبائر من أمّتى.
واعلم إنّ مذهبنا أنّ الائمة (ع) لهم الشّفاعة فى عصاة شيعتهم ، كما هو لرسول الله (ص) من غير فرق ، لأخبارهم (ع) بذلك ، مع عصمتهم النّافية للكذب عنهم.
الخامس ، يجب الاقرار والتّصديق بأحوال القيمة وأوضاعها وكيفيّة الحساب وخروج النّاس من قبورهم عراة ، وكون كلّ نفس معها سائق وشهيد ، وأحوال النّاس فى الجنّة وتباين طبقاتهم وكيفيّة نعيمها من المأكل والمشرب والمنكح وغير ذلك ممّا لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، وكذا أحوال النّار وكيفيّة