جهة الاستعلاء أيضا. والمعروف كلّ فعل حسن اختصّ بوصف زائد على حسنه. والمنكر هو القبيح. اذا تقرّر هذا فهنا بحثان :
الأوّل ، اتّفق العلماء على وجوب الأمر بالمعروف الواجب والنّهى عن المنكر ، واختلفوا من بعد ذلك فى مقامين :
الأوّل ، هل الوجوب عقلىّ أو سمعىّ؟ فقال الشيخ الطوسى ـ رحمه الله ـ بالأوّل ، والسيّد المرتضى ـ رحمه الله ـ بالثّانى ، واختاره المصنّف. واحتجّ الشيخ بانّهما لطفان فى فعل الواجب وترك القبيح ، فيجبان عقلا. قيل عليه انّ الوجوب العقلىّ غير مختصّ باحد فحينئذ يجب عليه تعالى ، وهو باطل ، لانه ان فعلهما لزم أن يرتفع كلّ قبيح ، ويقع كلّ واجب. إذا الامر هو الحمل على الشّيء ، والنّهى هو المنع منه ، لكنّ الواقع خلافه ، وإن لم يفعلهما لزم إخلاله بالواجب ، لكنّه حكيم. وفى هذا الايراد نظر. وأمّا الدّليل السّمعية على وجوبهما فكثيرة ، المقام الثّاني ، هما واجبان على الأعيان أو الكفاية؟ فقال الشيخ بالأوّل ، والسيّد بالثّانى. احتجّ الشيخ بعموم الوجوب من غير اختصاص بقوله تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ). احتجّ السيّد بانّ المقصود وقوع الواجب وارتفاع القبيح ، فمن قام به كفى عن الآخر فى الامتثال ، ولقوله تعالى : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ).
البحث الثّاني فى شرائط وجوبهما ، وذكر المصنّف هنا أربعة : الأوّل ، علم الآمر والنّاهى بكون المعروف معروفا والمنكر منكرا ، اذ لو لا ذلك لأمر بما ليس بمعروف ، ونهى عمّا ليس بمنكر. الثّاني ، كونهما ممّا يتوقّعان فى المستقبل ، فان الأمر بالماضى والنّهى عنه عبث والعبث قبيح. الثّالث ، أن يجوز الآمر والنّاهى تأثير أمره أو نهيه ، فانّه اذا تحقّق عنده أو غلب على ظنّه عدم ذلك ارتفع الوجوب. الرّابع ، أمن الآمر والنّاهى من الضّرر الحاصل بسبب الأمر او النّهى امّا إليهما أو لأحد من المسلمين. فان غلب