بالآفاق والأنفس على ما قالوا ، والامر للوجوب. وكقوله (ص) ـ حين نزل قوله تعالى : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) إلى آخر الآية ـ : ويل لمن لاكها بين لحييه ولم يتفكّرها أى تلفّظ بهذه الآية من غير أن يتجاوز بين العظمين اللّذين فى طرف فمه إلى قلبه. وحاصله أن لا يتفكّر فى دلائل المعرفة المندرجة فى الآية كما فسّره آخر الحديث. والوعيد على ترك الفعل يدلّ على وجوبه ، فيكون معرفة الله تعالى والاستدلال عليها واجبين ، هذا خلاصة ما ذكروا فى المقام. وفيه نظر من وجوه :
الأوّل ، أنّه إنّما يدلّ على وجوب معرفة الله تعالى مطلقا لا على وجوب معرفة الأصول الخمسة المذكورة هاهنا ، نعم يكفى وجوب معرفته تعالى مطلقا فى إثبات وجوب النّظر فى معرفته عقلا أو شرعا على ما هو المتنازع فيه بين المعتزلة والاشاعرة ، لكن المدّعى هاهنا وجوب المعارف الأصولية على ما سيجيء تفصيله.
الثانى ، انّ الحكم بكون تلك المعارف نظريّة بالنّسبة إلى جميع المكلّفين ممنوع لجواز أن يكون بعضهم بحيث يحصل له جميع تلك المعارف أو بعضها بالبديهة لا بالدّليل كالنّبىّ والأئمة المعصومين ـ عليه وعليهم السّلام ـ ويؤيد ذلك ما نقل عن الغزالى والرّازى انّ وجود الواجب بديهىّ لا يحتاج الى نظر. وما قال بعض المحققين فى ردّه من أنّ دعوى البديهة بالنّسبة إلى جميع الأشخاص فى محلّ المنع ، ولان سلّم فلا ريب فى أنّ ساير صفاته تعالى نظريّة لا يجدى بطائل من وجوده كما لا يخفى. وغاية التوجيه أن يقال : المراد من المكلّفين أوساطهم الذين يحتاجون فى تلك المعارف إلى النّظر على قياس استثناء المؤيّدين من عند الله بالنّفوس القدسيّة من بيان الحاجة إلى المنطق فى كتبه ، لكن لو قال : بالتحقيق لا بالتقليد لكان أحسن. اذ الظّاهر انّ حصول المعارف الأصولية بالبديهة كاف فى الايمان بالطريق الاولى على ما يخفى.
الثالث ، ان النّبي (ص) والائمّة ـ عليهم السّلام ـ كانوا يكتفون من العوامّ بالاقرار باللّسان والانقياد لأحكام الشّرع ويقرّرونهم على الايمان بمجرّد ذلك من غير