استفسار عن النّظر والاستدلال ، بل مع العلم بعدم حصولهما لهم ، ولو كانت المعارف بالدّليل واجبة لما جازت ذلك.
واجيب بانّهم كانوا عالمين بانّهم يعرفون الأدلّة كما قال الأعرابى : البعرة تدلّ على البعير وأثر الأقدام على المسير فسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج أما يدلّان على الصّانع الخبير. غاية ما فى الباب أنّه لم يكن العلم التّفصيلى بأحوال الادلّة ، وذلك غير قادح فى المعرفة الواجبة على الأعيان كما عرفت.
وفى تلك الادلّة أبحاث اخر لا يليق ايرادها فى هذا المختصر.
فلا بدّ من ذكر ما لا يمكن ، أى لا يصحّ ولا يجوز شرعا جهله على أحد من المسلمين وهو الأصول المذكورة وادلّتها. ومن جهل شيئا منه عطف على قوله لا يمكن أى لا بدّ من ذكر الأصول وادلّتها الّتي من جهل شيئا منها خرج عن ربقة المؤمنين. الرّبقة فى اللغة الحبل الّذي يربط به البهم. والمراد هاهنا هو الايمان على سبيل الاستعارة المصرّحة تشبيها له بذلك الحبل لكونه جامعا للمؤمنين حافظا لهم عن الضّلال كالحبل للبهم. ويحتمل أن يكون لفظ المؤمنين استعارة بالكناية عن البهم والرّبقة استعارة تخييليّة ، وعلى التقديرين يكون ترشيحا.
والظاهر أنّ المقصود من هذا الكلام هو الاشارة إلى وجه إلحاق الباب الحادى عشر بمختصر المصباح ، والفاء للتفريع على ما سبق. وحاصله أنّه لما ثبت وجوب معرفة الاصول المذكورة بالدّليل ثبت أنّه لا بدّ من إيراد تلك الأصول مع أدلّتها حتى يحصل معرفتها ، لاستلزام جهلها الخروج عن ربقة المؤمنين. فوجب الحاق هذا الباب بذلك الكتاب حتى يكون مشتملا على ما يتوقّف عليه الانتفاع بأصله من العبادات ، فعلى هذا قوله ما لا يمكن ... من قبيل وضع المظهر موضع المضمر ، للتّنبيه على وجه التفرّع مع المبالغة وزيادة التّمكين. ويؤيّده اختيار ظاهر مشتمل على ما هو تكرار لما سبق بحسب المعنى مع التعبير عن عدم الصّحة بعدم الامكان. وإنّما خصّ وجوبها هنا بالمسلمين مع انّها واجبة على جميع المكلّفين كما صرّح به سابقا ، تعريضا على المخالفين بانّهم مع كونهم