ولذلك يقال : هذا خلف ، ومع ذلك هو مطلوبنا.
أقول : ذلك الإشكال إنّما يتّجه لو قرّر الدّليل بطريق الخلف ، ويمكن تقريره بطريق القياس الاستثنائي مع وضع المقدّم بأن يقال إذا كان هاهنا موجود فالواجب ثابت ، لكن هاهنا موجود ، فالواجب ثابت. أمّا وضع المقدّم فظاهر ، وأمّا الملازمة فلانّه إذا كان هاهنا موجود يلزم إمّا كونه واجبا وإمّا استناده إليه بواسطة أو بغير واسطة ، وإمّا الدّور او التّسلسل ، وعلى كلّ تقدير يلزم ثبوت الواجب. أمّا على التقدير الأوّل فظاهر وأمّا على التّقديرين الأخيرين فلانّهما يستلزمان وجود سلسلة غير متناهية مشتملة على جميع الممكنات قطعا ، وتلك السّلسلة ممكن موجود لا بدّ لها من موجد موجود خارج عنها وهو الواجب ، فيلزم ثبوت الواجب على كلّ تقدير ، وهو المطلوب.
وعلى هذا الإشكال على انّه يمكن أن يقال المراد بقوله هو المطلوب انّه المطلوب الّذي فرض نقيضه باطلا فيكون المطلوب حقّا فتفطّن. هذا تقرير الكلام على تقدير كونه دليلا برأسه على ثبوت الواجب لذاته كما هو المطلوب ، وامّا تقرير الكلام على تقدير كونه دليلا على بطلان التّسلسل فبأن يقال التّسلسل اللّازم هاهنا باطل ، لانّ كون الواجب لذاته موجدا لتلك السّلسلة يستلزم انقطاعها ، قطعا إذ الواجب الموجد لها ان لم يوجد بعض آحادها لم يكن موجدا لها ، ضرورة انّ موجد الكلّ لا بد أن يكون موجدا لبعض أجزائه وإن كان موجدا لبعض آحادها فلا بدّ أن ينقطع السّلسلة عنده وإلّا لزم توارد العلّتين المستقلّتين على معلول واحد.
وأورد عليه انّ هذا إنّما يلزم إذا كان لكلّ واحد من آحاد السّلسلة علّة مستقلّة فى تلك السّلسلة ، وأمّا إذا لم يكن كذلك فلا يلزم ذلك لجواز أن يكون موجد كلّ واحد من آحادها هو الواجب مع ما فوقه من العلل ، فلا يلزم بطلان التّسلسل مطلقا.
ويمكن أن يجاب منه بأنّ المفروض فى تلك السّلسلة أن يكون لكلّ واحد من آحادها موجدا فيها ، فلو كان الواجب موجدا لشيء منها يلزم توارد العلّتين الفاعلتين على معلول واحد ، ولا شكّ انّه يستلزم توارد العلّتين المستقلّتين على معلول واحد ،