إلى خيمتي في أحد الأيام تطلب ماء باردا فاعتقدت في أول الأمر أنها عربية لأنها كانت حاسرة الوجه لكن زيها كان تركيّا رثّا فخاطبتها بالعربية فلم تفهمني وأجابتني بالتركية بلسان طليق لا يختلف كثيرا عن لهجة أهل المدن فقدمت لها ولا بنتها الصغيرة التي كانت معها طعاما وانتهزت الفرصة لأحدثها طويلا فأدهشتني كثيرا بأجوبتها الفصيحة ، وبأدب يندر وجوده لدى امرأة تعيش في البادية ، وأخبرتني أنها تملك خمسمائة رأس غنم وأشياء أخرى كثيرة لا يدل عليها لباسها المزري.
ولنعد الآن إلى رحلتنا ففي يوم الخميس ٢٢ أيلول تركنا خرائب «حقلاء» وتوغلنا في البادية حيث لا مدن ولا قرى آهلة بسكان ولا أراضي مزروعة ، بل سهول قاحلة قد ينبت فيها هنا وهناك نوع من الشوك البري تلتهمه البعران لا أكثر.
فلما حل المساء أمضينا ليلتنا حيث وصلنا ولم نجد هناك ماء فشربنا مما ادخرناه في القرب. ولما كانت هذه ليلتنا الأولى في العراق وفي مكان غير مأهول فقد أقمنا حراسا للقافلة خوفا من هجوم قطاع الطرق الذين يأتون من أماكن بعيدة لسرقة المسافرين وبعضهم من أتباع الأمير فياض نفسه ، لكنهم من الخارجين عن طاعته.
كان عدد أفراد قافلتنا زهاء ألف وخمسمائة شخص وفيها ما ينيف على الأربعين خيمة. وكان حراس الليل يطوفون حول الخيام ويضجون بالصياح كما هي عادتهم فيحذرون المسافرين تارة ويخيفون اللصوص من الاقتراب تارة أخرى.
ولما كان قطاع الطرق يهاجمون القوافل بمجموعات كبيرة عادة فيركب كل اثنين منهم على مطية واحدة ومطاياهم هي جمال من فصيلة خفيفة الجسم وسريعة الجري. ويتسلحون عادة برماح طويلة وأقواس وأسلحة متنوعة إذ يحمل بعضهم بنادق. لهذا السبب جرى قبل النوم إحصاء عدد حملة البنادق في القافلة فكان ما يربو على الثمانين : تسعة من الإفرنجة أي خمسة من حاشيتي والباقون تجار من أهل البندقية قدموا إلى هذه الأطراف في أمورهم الخاصة.