إلى إحدى الدول الشديدة البأس المجاورة لهم. فبعضهم انتموا إلى الرومان والبعض الآخر إلى الفرس وهذا ما نراه إلى اليوم. فهناك أمراء يدينون بالولاء للفرس لقربهم منهم والبعض الآخر للأتراك ومن بين هؤلاء الأمير فياض.
وكما ذكرت آنفا فإن الأعراب يحاولون حماية موطنهم بسد عدد من الآبار القريبة فلا يعرف أحد محلها سواهم ، فإذا حاول غيرهم ممن لا خبرة له بالصحراء الواسعة زج نفسه هناك فإنه سيتيه لا محالة ويضل ، ويكون الموت مصيره. وذلك ما حدث للكثير من الغرباء.
في كل يوم نذهب في طلب الماء ، يدلنا إليه رجال من أهل المنطقة ذوو خبرة في الطرق وموارد الماء وكانوا يعرفون تلك الأماكن من مراقبتهم النجوم في الليل ومن نظرهم إلى البطاح والتلال في النهار. فهم يعرفون الطرق على اختلافها : البعيدة منها والقريبة ويستدلون في سيرهم بأمور كثيرة ، فالأرض عاليها وواطئها ، ولون الأديم وأنواع الأعشاب النابتة. كل هذه الأمور يعتمدون عليها في سيرهم ؛ إنهم يعملون كعمل ربان السفينة في عرض البحر. وما أدهشني منهم بشكل خاص دقتهم في الوصول إلى الآبار لأنها تقع عادة في أرض منخفضة لا ترى إلا عند الوصول إليها ؛ وفوهاتها كحفر عادية لا سور يحيط بها ولا علامة خاصة تدل عليها.
كنا نسير يوميا مسافة طويلة ، وقد نقطع المسافة المقررة على مرحلة أو على مرحلتين ، وقد نسير في اليوم الواحد ١٣ ـ ١٤ ساعة وأحيانا ست عشرة ساعة. وأتعس ما في الأمر أننا نسير ليلا في ضوء القمر فكانت تتغير من جراء ذلك أوقات أكلنا ونومنا بانزعاج شديد. لكن لا بد من التحلي بقليل من الصبر.
رأيت يوم الجمعة التالية عند ينبوع لا يصلح ماؤه للشرب ينابيع أخرى تتدفق من الأرض مياهها حارة يطلق عليها العرب اسم «الحمام».
شاهدت نهار السبت عند جملة آبار أخرى مياهها جيدة آثار مدينة كبيرة لا يرى منها إلا الأسس وبعض الأعمدة ، وتيجان الأعمدة من الرخام كانت مبعثرة ، وبقايا أسوار كثيرة من الحجر الأسود الضخم ذات أسس عريضة جدا. ويحكم الناظر من محيط المدينة أنها كانت ذات شأن وقد أهملت