لانتشار الجفاف هناك فآلت إلى الخراب. ويسميها العرب «سيريا أو سريا» ويقولون إن سكانها القدماء كانوا نصارى. وهناك طلل كبير يزعمون أنه بقايا كنيسة ولكني لم أعرف عنها شيئا لأن ما بيدي من كتب لا تذكر شيئا عنها ولم تسعفني الذاكرة لأتحقق من قدمها.
أما يوم الأحد فلم نشاهد سوى الصحراء القاحلة ، وكلما كنا نتوغل فيها كانت تقل الأعشاب.
وصلنا يوم الإثنين عند الظهر إلى موضع مأهول بالسكان ومسوّر يطلقون عليه اسم «مدينة طيبة» والحقيقة ان الاسم يطابق المسمى ففي صحراء قاحلة يفتقر إلى أي نوع من المؤن يجد المسافر فيها كل ما يحتاجه من مؤن : كالدجاج والبيض والرقي والقثاء وغير ذلك من خيرات كنا حرمنا منها منذ أن بارحنا حلب. فأقمنا ذلك اليوم في «طيبة» وانتهزت فرصة وجودنا هناك فدخلت إلى البلدة لألقي نظرة عليها ، فرأيت آثارا قديمة في المسجد ، والأثر هو برج ناقوس مشيد بالطابوق من حجم متوسط كان لكنيسة ، وبعض الأعمدة التي أدخلها المسلمون في البناء وهو من اللبن ، ورأيت في داخل المسجد حجرا قديما مربع الشكل بني في الجدار وهو محط تكريم الأهالي وعليه كتابة يونانية وتحتها سطران محفوران بأحرف غريبة علي ، شبيهة بالحرف العبري أو السومري ، فنقلت الكتابة واحتفظت بها. ولما علقت عليها بعض الشروح أمام الحاضرين البسطاء اعتبروني رجل علم وقالوا إنه لم يستطع أحد من الذين نظروا إلى اللوحة من قبلي قراءة سطورها وشرح فحواها.
رحلنا يوم الثلاثاء ليلا وبعد أن قطعنا أميالا عديدة وجدنا في مكان آخر مدينة لها قلعة وأسوار مشيدة بحجارة ضخمة حسنة الصنعة لكنها متهدمة ، ويسميها العرب «الحير» (١) ويزعمون أنها كانت مدينة سكنها اليهود على عهد الملك سليمان ، والله أعلم. لأنه من يبني رأيا على أقوال وتقاليد بدو أميين؟
وأي استنتاج يمكن أن يستخرج من اختلاف الأسماء القديمة عن الحديثة خاصة
__________________
(١) يعود السائح إلى وصف «الحير» في طريق عودته إلى وطنه في رسالة لاحقة.