في الكتاب المقدس (١) ؛ من الممكن القبول بالموقع إذ إن الكتاب المقدس يذكر أن التمثال تم نصبه في أرض فسيحة لم تكن ببابل نفسها ولكن في ضواحيها. ولو فرضنا واعتبرنا هذا الموقع امتدادا بعيدا لمنطقة بابل فمن غير المعقول أبدا أن يبقى البناء إلى اليوم خاصة أنه لم يكن مشيدا بالحجر.
إن المسلمين على صواب في تسميتهم هذا الموضع باسم «إيوان كسرى» الذي شيده في طيسفون (٢) ملك الفرس من السلالة المتأخرة (٣) حاولوا فيه تقليد أباطرتنا وكانوا يلقبون أنفسهم بالأكاسرة وينقل عن مؤلفيهم أن البناء كان مشهورا من الناحيتين التاريخية والجغرافية ، وسأحاول البحث أكثر في هذا الموضوع وقد تردد ذكر هذا المكان خلال الكلام عن الحروب التي نشبت بين أباطرة الرومان وأكاسرة الفرس.
أضيف إلى ما ذكرت أنه كان هناك موضع آخر يطلق عليه اسم «سلوقية» (٤) لأن سترابون يذكر بوضوح ان طيسفون لم تكن إلا قصبة من ضواحي سلوقية ، شيدها ملوك الفرس للتخفيف من السكن في سلوقية ومن أجل راحة أهل البلاط والعساكر التي كانت ترافق الملوك عند قدومهم إليها لقضاء فصل الشتاء إذ إن مناخها أكثر دفئا ، بينما كانوا يمضون فصل الصيف في هركانيا وأكبتانا (٥) ؛ إن وجود البلاط المتكرر هناك كان السبب في نمو طيسفون وتوسعها حتى أصبحت مدينة فإن صح كلامي فذاك يعني أن سلوقية وطيسفون كانتا في موقع واحد لذا فبكل حق يطلق العرب على هذا الموضع اسم «المدائن» (٦) فالكلمة تشير إلى المدينتين في آن واحد ويؤيد قولي
__________________
(١) سفر دانيال : الفصل ٣.
(٢) معجم البلدان ٣ : ٥٧٠.
(٣) يشير إلى الساسانيين (٢٢٦ ـ ٦٢٨ م).
(٤) عاصمة الدولة السلوقية والنسبة إلى سلوفس نيقاطور خرائبها في تل عمر جنوبي بغداد.
(٥) عاصمة الماذيين وهي همدان الحالية.
(٦) د. طارق عبد الوهاب مظلوم : المدائن (طيسفون) مجلة سومر ٢٧ (١٩٧١) ص ١٢٩ و ١٣١ (١٩٧٥) ص ١٦٥.