بعد زيارتنا لآثار «طيسفون» عرجنا على المسجد الذي يضم قبر سلمان باك. فإذا هو بناء عربي جميل لكنه صغير مشيد بآجر قديم. ثم تجولنا في تلك الأنحاء فرأينا آثارا أخرى كثيرة تشبه آثار بابل فهي مشيدة أيضا بالآجر والقصب وشاهدنا بقايا سور المدينة وهو يدل على المساحة الكبيرة التي كانت تشغلها. ولا تزال بعض الجدران قائمة لكن أكثرها مال إلى الخراب فأصبحت أشبه بالتلال. وهذه الآثار منتشرة على عدوتي النهر فهو يقسمها إلى قسمين أو إنه بالأحرى يجري بين المدينتين كما بينت أعلاه إلا إذا كان النهر قد حول مجراه كما يزعم الأهلون.
وجدت عند النهر جدرانا مشيدة بآجر مفخور جيد الصنع يتخلله القار عوضا عن الملاط بنفس الطريقة المتبعة في أبنية سميراميس التي ذكرها الأقدمون. فأخذت عددا من الآجر الملطخ بالقار ووضعته داخل علبة بعد تغليفه جيدا بلفائف من القطن. ولا حظت أن بعض الحاضرين يضحكون وكانوا ينظرون إليّ بسخرية. إنهم لا يعلمون قيمة هذه الآثار ومدى اهتمامنا بها.
ركبنا القارب لنرجع إلى بغداد وكان على الملاحين أن يجروا القارب بالحبل لأنه ضد التيار. وأمضينا الليلة قرب قرية «كرد حاجي كردي» حيث نزلنا في الليلة السابقة.
في اليوم التالي تابعنا السفر ببطء شديد لأن الصعود في النهر كان صعبا فهو بعكس مجراه. ثم مررنا من جديد بمصب ديالى. وعند العصر شاهدت على عدوة النهر الشرقية مجموعة من الخيام السوداء كتلك التي رأيتها سابقا فأردت الاقتراب منها والتعرف على ساكنيها ، فنزلت إلى البر مع ثلاثة من أصحابي ، وطلبت من الآخرين البقاء مع النساء والأمتعة في القارب وأن يواصلوا السفر على أن نلتقي في المساء ، وهكذا تابعوا سفرهم وسرت أنا إلى الخيام.
حياة البدو
لم تكن الخيام من النوع المستدير التي تستند على عمود وسطي وحيد ، بل كانت طويلة مثبتة في الأرض كتلك التي توضع فوق المراكب المستعملة عندنا.