وهي منسوجة من مادة غليظة قوية جدا ، تتحمل حرارة الشمس وتأثير المطر. تقوم النساء على نسجها من شعر الماعز الأسود ، فالماعز كثير عند الأعراب ويغلب عليه اللون الأسود ، فتذكرت قول الكتاب ؛ «أنا سوداء لكني جميلة ... كأخبية قيدار» (١) إن قيدار هو أحد أبناء إسماعيل ، وينتسب العرب إلى إسماعيل.
الخيام عبارة عن قرية متنقلة ، وجدت هناك عددا غفيرا من الرجال والنساء. والجدير بالذكر أن النساء حاسرات الوجوه ، لا يتحجبن كما تفعل التركيات بذلك الحجاب الغريب. كن لابسات زيا بدويا ، ويتزيّن بحلي في الرقبة والمعصم والأرجل. يحملن أساور من معادن مختلفة كالنحاس والصفر والفضة ، ويضفن إلى ذلك بعض الخرز من العنبر أو البلور الملون ، وكلهن على الإطلاق يستعملن الوشم على الأيدي وعلى الشفاه ومعظم أجزاء الجسم ، ولونه أزرق قاتم ، ويتم بواسطة إبرة مع صبغ مستخلص من كبد الأسماك يزرق تحت الجلد ، لا يزول أبدا (٢) وهذه عادة منتشرة في هذه البلاد وفي مصر ، وفي أرجاء الشرق عامة ، وتعتبر من وسائل التجميل للنساء والرجال على السواء ولم أتخلص منها رغم كوني غريبا عن البلاد فقد وشمني رجل ماهر بهذا الفن في يدي.
الوشم ليس من العادات المستحدثة ، فله جذوره العميقة ، وقد ذكره الأقدمون ، فنحن نقرأ في كتاب وضعه «بومبونيو ميلا» (٣) وكتاب آخر من تأليف «جوليو سولينو» (٤) ان قوما من الإغريق هم أهل «أجاتيرا» كانوا يلونون وجوههم وأبدانهم بالألوان التي لا تمحى. وقد نوه بهم «فيرجيل» (٥) أيضا.
__________________
(١) نشيد الانشاد ١ : ٤ وكذلك سفر التكوين ٢٥ : ١٣.
(٢) عزيز جاسم الحجية : بغداديات ٢ : ١٨ (بغداد ـ ١٩٦٨).
(٣) جغرافي لاتيني من أبناء المائة الأولى للميلاد.
(٤) مؤرخ لاتيني عاش في القرن الثالث له كتاب «التاريخ العام» بحث فيه عن أجناس البشر والتاريخ الطبيعي لسائر البلاد.
(٥) أعظم شعراء روما (٧١ ـ ١٩ ق. م) له الرعائيات ، والفلاحيات وملحمة الانياذة.