البادية بسلام ومنهم من لا يركن إلى الراحة والاستقرار فيتركون النساء في الخيام للاعتناء بالمواشي ويتيهون في الأرض ويفضلون الغزو والاعتماد على السيف على مثال عيسو (١) ولعل القوم من نسله ؛ إن هؤلاء بغزواتهم واعتدائهم يحطون من سمعة العرب بين جيرانهم.
بعد أن استمتعت بمنظر الخيام وحياة ساكنيها رافقني أحدهم إلى قرية قريبة من النهر اسمها «كرد عثمان» فبقيت هناك انتظر القارب إذ قررت المبيت فيها ، فالمكان جميل وقد حصلنا على ما نحتاج إليه من غذاء من أهل القرية.
وجدت الأراضي المحيطة بهذه القرية مزروعة بالقطن ومختلف أنواع الخضروات ومنها الفجل فالأراضي بحد ذاتها جيدة وخصبة بشرط أن تفلح جيدا وتسقى دائما أما وجود الأراضي القاحلة فسبب ذلك إهمال السكان وكسلهم وتقاعسهم عن العمل فهم لا يكلفون أنفسهم بسحب الماء من النهر لإرواء الأرض بعكس أجدادهم الذين خدموا الأرض.
تأخر قاربنا كثيرا للوصول إلى الموقع الذي كنت فيه بسبب تعرجات النهر الكثيرة حتى ساورني شك باختفائه. فأرسلت رجلا للبحث عنه وإرشاد أصحابي إلى مكاننا ، ومرت ساعة من الليل وتبعتها أخرى والقارب لم يظهر ، فقررت المضي للبحث عنه بنفسي ثم فكرت بإطلاق بعض العيارات النارية ، مضى ربع ساعة على إطلاقي النار حتى جاءني الرد من القارب بثلاث طلقات ، فلما تأكدت من قربه مضيت أمامه فنزل أصحابه إلى البر وقضينا الليلة هناك.
في اليوم التالي وهو السادس من كانون الأول (١٦١٦) عدنا إلى بيتنا في بغداد. وكانت هذه آخر سفرة أقوم بها إلى الآن وقد سردت لك يا سيدي جميع أحداثها بدقة.
__________________
(١) يشير إلى عيسو بن إسحاق الذي كان صيادا ماهرا ورجلا يحب البرية (التكوين ٢٥ : ٢٧) أما الحديث عن السيف فيشير إلى قول الكتاب : «بسيفك تعيش ....» (التكوين ٢٧ : ٢٤).