ثم عاد إلى روما وانتقل شمالا إلى البندقية ليبحر منها إلى الشرق فركب البحر في ٨ حزيران ١٦١٤ ووجهته اسطنبول. وأمضى في عاصمة الخلافة فترة انهمك فيها بدراسة اللغة التركية لأنه كان معجبا بها رغم كونه يبغض الأتراك بغضا شديدا نابعا من ترسبات اجتماعية ودينية عميقة. ووضع في تلك الفترة كتابا في نحو اللغة التركية وكتب وصفا جذابا عن البلاط العثماني والشخصيات الحاكمة ، كالسلطان أحمد الثاني (١٥٨٩ ـ ١٦١٧ م) والصدر الأعظم نصوح باشا وأسهب في وصف مصرعه المأسوي.
كان بودّ ديللافاليه التوغل شرقا انطلاقا من اسطنبول ، وإذ رأى في ذلك بعض المحاذير فقد قرر تغيير وجهته ، وتأجيل زيارته لبلاد فارس إلى فرصة أخرى ، لذلك سافر في ١٥ أيلول ١٦١٥ إلى مصر حيث زار آثار الفراعنة ودخل إلى الأهرامات وصعد إلى جبل سيناء ، ثم حج إلى بيت المقدس فحقق أمنية عزيزة على نفسه بأن يصبح حاجا «مقدسيا» ومنذ ذلك الحين اتخذ لقب المقدسي بيترو ديللافاليه.ll Pellegrino
انتقل إلى حلب للتوغل شرقا ، وهناك حدث ما غير خططه وقلب مجرى حياته ، فقد التقى في الشهباء برجل إيطالي عائد من بغداد حدثه ـ بعد اطلاعه على حياة ديللافاليه السابقة ـ عن فتاة بغدادية رائعة الجمال ، عالية الشمائل لائقة بالنبيل الروماني ، فكتب : «كنت أنصت إليه في أول الأمر لتمضية الوقت لا غير ... حتى تولد في نفسي شوق كبير للتعرف على هذه الفتاة ... وتحول الشوق إلى حب». وهكذا قرر السفر إلى بغداد ليلتقي بتلك التي ملكت عليه مذاهبه.
وفي بغداد تتحقق أمنيته ، فينسى ألمه القديم ، وتلتئم جراح قلبه ، فيتقدم طالبا يد الفتاة العراقية «معاني بنت حبيب جان جويريدة». فيتم الزواج ، ولعل أجمل صفحات الرحلة من الناحية الأدبية هي تلك التي يصف فيها حبه لمعاني وفرحه بالزواج منها.
لكن الحظ العاثر أبى أن يفارقه ، فقد توفيت معاني ضحية الملاريا في ٣٠ كانون الأول ١٦٢١ بعد خمسة سنوات من زواجهما بينما كانت تنتظر ثمرة