الزيديون طارئون على البلاد منذ ما يقرب من ربع قرن ، ويؤازرهم بعض القبائل اليمنية ، مع الأبناء من الفرس الأمراء اليعفريين وقاعدتهم صنعاء أمراء آخرون من رؤساء القبائل ، يميلون مع هؤلاء اونة ، ومع أولئك أخرى ، وينضمون الى غير الفئتين في بعض الأحيان ، كما فعلوا من القرامطة. وكان الخلاف بين أصحاب هذه التيارات يتجاوز حدّ المقارعة بالسّنان ، الى المجادلة بالحجة واللسان ، فكان ان اشتعلت نار العصبية بين القحطانية والعدنانية ، فكان بعض الأنباء من الفرس يذكي أوارها ، وليس بعيدا أن يوجد من وراء هؤلاء من ذوي النفوذ في بغداد من له أثر في ذلك.
والذي يعنينا من الأمر ما له صلة بالهمداني لقد خاض المعمعة ، بل لعله الوحيد الذي نستطيع أن نتبين آثاره فيها ، فيما وصل الينا من كتبه ـ «الإكليل» و «الدامغة» و «شرحها» وكان من أثر ذلك أن أوذي وسجن. وفي «الدر الكمين» (١) : (وكان صاحب أمرها ـ يعني صعدة ، في ذلك الوقت الامام الناصر لدين الله .. وكان في صعدة عدة من الشعراء المنتسبين الى عدنان منهم الشريف الحسين بن علي بن الحسن بن القاسم الرسّي ، وأبو الحسن بن أبي الأسد السلمي ، وأيوب بن محمد اليرسمي ، وكان أيوب ينسب الى الفرس ، فبلغ الهمداني أيام إقامته في صعدة أن هؤلاء يتعصبون على قبائل اليمن ، ويتناولون أعراضهم بالأذى ، فكتب لكل واحد من الثلاثة قصيدة فلما بلغهم قوله اشتد ذلك عليهم ، ونصبوا له ، ووبخوه بالكلام ، وتألبوا عليه ، فقال فيهم أبياتا ، فلما تفاقم الأمر بينه وبين الشعراء المذكورين وأفحمهم جمعا وفرادى دخلوا على الامام الناصر لدين الله وقالوا : ان ابن يعقوب هجا النبي (صلىاللهعليهوسلم) فتوعده الناصر ، فخرج من صعدة الى صنعاء ، وكانت يومئذ للأمير أبي الفتوح الخطاب بن عبد الرحيم بن يعفر الحوالي (٢) من قبل عمه الأمير أسعد بن ابي يعفر ، وكتب الناصر الى الأمير أسعد ـ وكانت بينهما مودة شديدة ـ يشكو إليه ابن يعقوب ، ويقول : إنه هجا النبي (صلىاللهعليهوسلم) فأمر أسعد ابن أخيه الخطاب بسجنه فسجنه ، وكان له في السجن اشعار كثيرة ، من التحريض والتوبيخ وغير
__________________
(١) ورقة ١٠٢.
(٢) صواب العبارة للأمير أبي الفتوح بن عبد الرحيم بن أبي يعفر إبراهيم بن محمد بن يعفر الحوالي.