سكت وصرف الفكرة واستقبل المذكور ، وقد أراد الحجري بهذا المثل أن يذكر الحسن بأن أخاه سيف الحق إبراهيم ابن الإمام قد هرب من صنعاء والتحق بالأحرار وفعل أمورا كبيرة فلماذا يحاسب العنسي على أمور حقيرة لم تبلغ مدى ما فعله ابن الإمام نفسه ضد والده واخوانه؟.
ولما تمرد الجيش في تعز بقيادة المقدم أحمد يحيى الثلائي على الإمام أحمد في شعبان سنة ١٣٧٤ ه (١٩٥٥ م) وأرغمه على التنازل بخط يده عن الملك لأخيه سيف الإسلام عبد الله الذي كان موجودا في تعز ، كلف سيف الإسلام عبد الله القاضي محمد الحجري مع بعض العلماء الذين كانوا موجودين في تعز بحمل صورة التنازل معهم إلى بعض المناطق لأخذ البيعة له من أعيان بعض البلاد ، ولكن الإمام أحمد استطاع أن يتغلب على أخيه وعلى الجيش بسرعة ، وقضى على زعماء الحركة بحد السيف ، وألزم القاضي الحجري بالبقاء في تعز نحو شهرين شبه معتقل مظهرا له عدم رضاه عنه لسرعة استجابته لعبد الله ، وذات يوم قال الحجري لمن عنده في حجرته في دار الضيافة ولماذا الإمام غاضب علي ، ألأني حملت صورة تنازله لأخيه لأخذ البيعة له من الناس؟ فقد كان عليه أن لا يتنازل ونحن معه ، وضرب مثلا لذلك بأحد رؤساء القبائل ، وكان من خبره أنه إذا قدم عليه أحد إلى بلده هشّ وبشّ بمقدمه ويأمر خادمه بأن يذبح له التبيع (العجل) زيادة في تكريمه ويغمز لخادمه بذبح كبش بدلا من التبيع وهكذا كان في كل مرة يفد إليه ضيف ، وذات مرة نسي أن يغمز لخادمه فذبح الخادم التبيع فلما رأى المضيف كثرة اللحم سأل الخادم عن ذلك؟ فقال : لقد ذبحت التبيع لأنك أمرتني بذبحه ولم تشر إلي كالعادة فقال : لقد ارتبشت أي نسيت وذهلت ، فقال الخادم : وأنا ارتبشت كما ارتبشت ، ثم قال القاضي الحجري لقد تنازل الإمام عن الملك بقلمه ، ولم نفعل شيئا سوى أن قمنا بتبليغ تنازله للناس فإذا كان قد ارتبش حينما تنازل عن الملك فقد ارتبشنا بارتباشه ، فبلغ الإمام هذا المثل واستدعاه إليه فلما جاءه رسول الإمام وجده جالسا ينتظر رجوع ثيابه من عند المصبّن (غسّال الثياب) وليس عليه إلّا القميص الداخلي لأنه كان ورعا عفيفا (١) ليس عنده من الثياب غير ثوبين فاعتذر للرسول ليبلغ الإمام
__________________
(١) له في ورعه وعفته مواقف معروفة ، منها أن الإمام أحمد كان يعطيه قبل سفره إلى خارج اليمن مقدارا كبيرا من المال للإنفاق على نفسه فلا يصرف منه إلّا ما كان ضروريا ثم يعيد ما فضل وزاد عن حاجته إلى الإمام بعد عودته فعاتبه الإمام على ذلك فقال : إنني لا آخذ ما لا حاجة لي به. وقد عاش في صنعاء ٢٧ سنة في بيت حقير من بيوت الدولة فلما توفي لم يكن لأهله ولا لأولاده مسكن لهم لو لا أن الإمام أحمد ملّكّهم ذلك البيت المتواضع بعد مراجعة من أخيه القاضي عبد الله الحجري والسيد أحمد بن عبد الرحمن الشامي ولو أراد الدنيا لجمع منها ، بيسر وسهولة ، ما يريد.