حرب لا تهدأ ، ولكنها حرب أهلية لا تحمل أي أذى للأجانب. وإذا أراد أحد من أهل البلاد الانتقال من مكان إلى آخر وجب عليه أن يكون مصحوبا بفقيه أو بامرأة من هذا البلد الذي يريد الانتقال إليه.
ولا يوجد في هذه البلاد أي مظهر من مظاهر القضاء ، ولا سيما في الجبل حيث لا يوجد أمير يحكم ولا موظف. ويتمكن النبلاء والوجهاء من الاحتفاظ بشبه سلطة في داخل المدن ، وهذه المدن نادرة.
وكثير من القرى والقصور والمداشر صغيرة جدا ، وبعضها الآخر كبير ومزدهر. وسأتكلم لكم عن هذة وعن تلك.
تدنست (٨) مدينة من حاحه
تدنست مدينة قديمة ، بناها الأفارقة من سهل جميل ولطيف جدا. وتحاط كلها بسور من آجر وطين. وتقع البيوت والحوانيت في داخل السور ، وتضم قرابة خمسمائة أسرة وأكثر. وينبع نهر صغير من جوارها ويجري بمحاذاة السور.
وفي هذه المدينة بعض دكاكين التجار الذين يبيعون القماش الصوفي المستعمل في المنطقة والقماش الكتاني المستورد من البرتغال. ولا يوجد صنّاع سوى الحذّائين والحدادين وبعض الصاغة من اليهود. ولا تحوي المدينة في أي مكان منها فندقا أو حمّاما أو دكان حلاق. ولهذا عندما يقصد المدينة أي تاجر غريب ، فإنه ينزل عند صديق له أو عند معارفه. وإذا كان لا يعرف أحدا ، يقترع وجهاء البلدة على من يقوم بواجب ضيافته.
وهكذا يأوي الغرباء ، ويبتهج الناس بالتشرف بإكرام أي غريب. ومن المتعارف عليه أن من واجب كل من هؤلاء أن يترك عند سفره نوعا من هدية لصاحب البيت الذي استفضافه رمزا للعرفان. وإذا حدث ومرّ مسافر من غير التجار ، فله الحق أن يختار مقامه عند الوجيه الذي يروقه أكثر من سواه ، وذلك دون أن ينقده شيئا أو يترك هدية. وإذا مرّ فقير غريب فإنه ينزل في ملجأ معدّ خصيصا لإيواء الفقراء واطعامهم.
__________________
(٨) لا تزال هناك بلدة صغيرة في المنطقة تحمل هذا الاسم ، ومن المحتمل أن تكون هي ذاتها ، ولكن ليس هذا مؤكدا.