راسخو القدم في علوم الشريعة. ولأكثرهم ذاكرة ممتازة في مسائل الفقه الإسلامي. وقد عرفت رجلا هرما يحفظ عن ظهر قلب كتابا يدعى «المدوّنة» (٣٨) ومعناه «جامع الشرائع» الذي يضم ثلاثة كتب عولجت فيها أصعب المسائل الفقهية على مذهب مالك (٣٩). وهذه المدينة عبارة عن محكمة ترسل إليها كل الدعاوي. ففيها يفصل في الادعاءات ، والاعلانات ، والاتفاقات ، والعقود ... الخ. ومن أجل ذلك يقصدها جميع أهالي المناطق المجاورة. والفقهاء هم الذين يقومون بمهمة الإدارة المدنية والإدارة الدينية. ولكن السكان لا يذعنون لآرائهم في القضايا ذات الأهمية الكبرى ، ولا يفيدهم حينئذ علمهم شيئا. وعندما قصدت هذه المدينة نزلت في ضيافة محام ، في منزله. واتفق في إحدى الأمسيات أن كان عنده عدة فقهاء اجتمعوا بعد العشاء ، وبدءوا يتناقشون فيما إذا كان يجوز لولي الأمر أن يبيع ما يملكه فرد ما لتحقيق مصلحة عامة أو لحاجة الدولة إلى ذلك. وكان من الحضور شيخ كبير قام بتلخيص هذا النقاش والفصل في هذا الموضوع ، وكان يدعى الجزار. وعند سماع كنيته هذه طلبت اليه معنى هذه الكنية ، فأجابني أن معناها «القصّاب» وأضاف : «السبب في ذلك ، أنهم شبهوني بالقصاب ، فكما أن القصاب قد اعتاد العثور على مفاصل الحيوانات ، فإنني اعتدت العثور على فصل الخطاب في قضايا الفقه الإسلامي»!! وحياة أهالي آيت دوّاد قاسية جدا على العموم. فهم يتغذون بالشعير وزيت الهرجان ولحم الماعز. والقمح غير معروف لديهم. ونساؤهم جميلات وجسومهن ملونة. والرجال أقوياء البنية ، ولهم بطبيعتهم صدور كثيفة الشعر. وهم كرماء للغاية وغيورون لأقصى الحدود على نسائهم.
قليعة المريدين
وهي قلعة صغيرة واقعة في قمة جبل شديد الارتفاع بين جبال لها نفس الارتفاع.
وتوجد في كل هذه الجبال صخور هائلة محاطة بغابات كثيفة جدا. ولا يمكن الارتقاء الى هذه القلعة إلّا بسلوك درب ضيق على خاصرة الجبل. فمن ناحية نجد جروف الصخور ومن طرف آخر حبل تيسيغدلت ، الذي لا يبعد اكثر من ميل ونصف. (٤٠) وتقع آيت دوّاد
__________________
(٣٨) تأليف العالم التونسي سحنون ، وهي من أشهر المؤلفات في مذهب الإمام مالك.
(٣٩) الإمام مالك بن أنس.
(٤٠) ٥ ، ٢ كم.