وفي هذا الجبل غابات كبيرة وكثير من الينابيع. ويكثر هنا العسل وزيت الهرجان. ولا تنتج المنطقة سوى القليل من القمح ، وتستورد ما تحتاج إليه منه من دكالة. والناس هنا فقراء ، وهم فضلاء وتقاة. ويسكن في قمة الجبل العديد من الزهاد الذين يعيشون على الثمار والماء. وهؤلاء الجبليون اوفياء ويجنحون للسلم. وعندما يرتكب احدهم سرقة صغيرة أو أية مخالفة أخرى ، ينفى من المنطقة لبعض الوقت. وهم سذج إلى حدّ يفوق الوصف. فعندما يصدر من أحد نساكهم عمل ما يعتبرونه معجزة. ولكن العرب المجاورين يسببون لهم الكثير من المتاعب ، لهذا يدفع لهم هؤلاء السكان ضريبة كي يتركوهم بسلام. وقد جرد. ملك فاس محمد (٦٥) حملة ضد هؤلاء العرب فلجأوا إلى الجبل ، ولما شعر هؤلاء الجبليون بالقوة بفضل مساعدة الملك ، هاجموا هؤلاء العرب في المضائق الجبلية ومزقوهم شر ممزق بمعونة القوات الملكية. وبعد المعركة غنم هؤلاء الجبليون خيول العرب الذين قتلوا ، وكان عددها ثلاثة آلاف وثمانمائة رأس وقدموها للملك. ولم يعد الجبليون يدفعون أي جزية. وقد شهدت هذه المعركة عندما كنت في جيش الملك ، في عام ٩٢١ ه. وكان عدد المحاربين القادمين من هذا الجبل حوالي اثني عشر ألفا (٦٦).
ويوجد في حاحه بضعة جبال أخرى ، ولكنها غير مأهولة. ولهذا لم أتكلم عنها خشية ان أجعل هذا الكتاب مفرط الطول أو مملا بصورة زائدة.
السوس
سنعرض الآن للكلام عن منطقة السوس. وتقع هذه المنطقة فيما وراء الأطلس باتجاه الجنوب ، تجاه منطقة حاحه ، أي عند نهاية بلاد البربر. وتبدأ عند المحيط غربا وتنتهي في رمال الصحراء جنوبا. وتنتهي شمالا عند الأطلس ، عند تخوم بلاد حاحه. وتنتهي في الشرق في النهر المسمى نهر السوس الذي استمدت المنطقة منه اسمها (٦٧).
__________________
(٦٥) أبو عبد الله محمد السعيد المللقب بالبرتغالي.
(٦٦) لا تتكلم الوثائق البرتغالية شيئا عن هذه المعركة الهامة التي لا يمكن أن تقع إلا في أواخر حزيران أو تموز (يونية أو يولية) ١٥١٥ م. وسنرى أن المؤلف الذي يغادر المغرب نهائيا في آب ١٥١٥ م لم يستطع أن يعرف ما إذا كان سكان جبل الحديد ظلوا على دفع الجزية للعرب بعد ذلك او امتنعوا عن دفعها.
(٦٧) لا نعرف مصدر اسم سوس. وربما اتى أصلا من كلمة حصان ، لأن المنطقة مشهورة بتربية هذا الحيوان. وفي البداية ـ