وسأبدأ من الغرب وسأتكلم على كل مدينة وعلى كل موقع هام على حدة.
مدينة ماسّه
وتتألف من ثلاث مدن صغرى تبعد الواحدة عن الأخرى بحوالي الميل الواحد ، وقد بناها قدامى الأفارقة على ساحل المحيط عند حضيض الرأس الذي يؤلف بداية جبال الاطلس. وهذه المدن محاطة بأسوار من الطوب النيء ، ويمر نهر السوس الكبير من بينها. ويعبر هذا النهر خوضا في الصيف ، ولكن لا يمكن اجتيازه شتاء إلا في مراكب صغيرة ليست مهيأة كل التهيئة لمثل هذه المهمة (٦٨). وتقع هذه المدن الصغرى في غابة تختلف عن الغابات المعهودة بأنها مجموعة كبيرة من النخيل يملكها هؤلاء السكان. ولكن تمور هذه النخيل ليست جيدة إذ لا يمكن حفظها على مدى العام (٦٩). وكل سكان «ماسّه» فلاحون يحرثون أراضيهم في أعقاب فيضانات النهر التي تقع في شهر أيلول (سبتمبر) وفي أواخر نيسان (إبريل) (٧٠). وتحصد الحبوب في حزيران (يونية). وإذا لم يحدث فيضان في أحد هذين الشهرين فإن المحصول ينعدم تماما. وتندر الماشية هنا. ويقوم في خارج «ماسّه» على ضفة البحر ، جامع له مكانة كبيرة في نفوس السكان. ويقول بضعة مؤرخين أن من هذا الجامع سيخرج الخليفة العادل الذي تنبأ به الرسول مجمد (٧١).
__________________
ـ كانت كلمة سوس تعني مجموع المغرب (السوس الأدنى) ، ولكن هذا الاسم انحصر فيما بعد بالمنطقة الواقعة جنوبي الاطلس (ل. ماسينيون ، ١٩٠٦ ، ص ١٩٣).
(٦٨) لقد تبيّن أن ماسّه كانت تتألف من ثلاثة أحياء ضخمة تحمل بلا شك الاسماء الحالية : أغبالو ، آغادير نسوق ، وتاسلنوت. ولكنها قريبة من وادي ماسه وليس من وادي السوس.
(٦٩) «ملاحظة هامة جدا وهذا يصح بالنسبة لكل النخيل الذي نجده بجوار سواحل البحر في كل البلاد العربية ، حتى إن بعض النخيل تكون وظيفته الأساسية تقديم السعف أو الجريد لاستعماله في صيد السمك ، كما في البحرين وجنوب تونس» (المترجم).
(٧٠) تنجم فيضانات أيلول عن الأمطار الخريفية ، أما فيضانات نيسان فتسبب عن ذوبان ثلوج جبال الأطلس.
(المترجم).
(٧١) وقد أشار اليعقوبي لهذا الجامع منذ أواخر القرن التاسع هجري تحت اسم جامع البهلول. ويقول لنا الجغرافي العربي أن السفن الناقلة للحبوب والمصنوعة في الأبلة في صدر الخليج الفارسي (العربي حاليا) كانت تقطر بحرا لهذا المكان ، ومن هنا كان يركب التجار للذهاب الى الصين. وقد جعلت هذه الجملة الشارحين في حالة حيرة. ويمكن مقارنة هذا القول مع ما يذكره لنا الجغرافي ابن خردازبة ، الذي اعتمد على مراجع النصف الأول من القرن التاسع الميلادي عن الرضبانية (الرودانيين أي سكان وادي الرون) ، وهم هؤلاء التجار اليهود المدهشون ، الذين كانوا ينطلقون بلا شك من مدينة آرل بجنوبي فرنسا ، ذاهبين أولا الى السوس الأقصى ، ومن ثم يتجهون الى مصر مرورا ببلاد البربر ، وثم إلى سورية والعراق وفارس والسندكي. ـ