مدينة أغمات
أغمات (١٨٤) مدينة تقع على مسافة أربعة وعشرين ميلا (١٨٥) من مراكش ، شيّدت فوق سفح جبل يؤلف جزءا من الاطلس. وكانت بها قرابة ستة آلاف أسرة. وقد كانت في عصر الموحدين مدينة مطمئنة جدا بحكم عادل ، حتى أنها سميت مراكش الثانية. وتحيط بها كروم بديعة جدا بعضها في الجبل وبعضها في السهل. ويمر من أسفل المدينة نهر ينبع من جبال الأطلس ويصب بعدئذ في نهر التانسفت. وتجري هذه الأنهار في أرض خصبة التربة : يقال أنها تعطي أحيانا خمسين ضعف ما يوضع فيها من بذور. وماء النهر أبيض بصورة دائمة. وتشابه البلدة ونهرها مدينة نارني. ونهرها النيرا في إقليم أو مبري (١٨٦).
ويجزم بعضهم أن ماء هذا النهر يصل إلى مراكش ، وأنه بعد أن يأخذ ماءه من منبعه قرب أغمات يتابع مجراه في قنوات باطنية. وقد أمر عدة ملوك بإجراء أبحاث لمعرفة المكان الذي يأتي منه هذا الماء إلى مراكش. وبناء على أوامرهم دخل عدة رجال في القناه عند نقطة وصولها وبيدهم مصباح للاستنارة به. وعندما تقدموا مسافة ما في القناة شعروا بريح شديد أطفأت أنوارهم ، وكانت هذه الريح عاصفة لم يروا مثلها في شدتها من قبل ، وتعرضوا عدة مرات إلى خطر العجز عن العودة إلى الوراء ، بسبب هذه الريح من جهة ولأن مجرى الماء من جهة أخرى كان غاصا بجلاميد من الحجارة الضخمة التي كان الماء يتهشم عليها كي يمر من ناحية إلى أخرى. وبعدئذ وجدوا ثقوبا عديدة عميقة جدا فاضطروا إلى العزوف عن مشروعهم وبعد هذه المحاولة لم يكن لدى أي شخص من الجرأة ما يكفي لاستئناف التنقيب.
ويقول المؤرخون أن الملك الذي أسس مراكش توقع ، إستنادا إلى معطيات بعض المنجمين ، أنه سيتعرض لحروب عديدة. ولهذا وضع هو نفسه في المجرى الجوفي للنهر كل هذه العوائق ، مستعينا في أعماله هذه بالفن السحري ، وذلك كيلا يستطيع أي عدو
__________________
(١٨٤) وتلفظ محليا غمات ، ولكن يغلب على المكان اسم الجما ، وتقع على الضفة اليسرى لوادي غمات.
(١٨٥) ٥ ، ٣٨ كلم.
(١٨٦) ليس هناك أكثر من تماثل غامض بين هذين المشهدين ، ولكن «نارني» التي تربض فوق تل ، وتطل من قوف سفح عمودي تقريبا على خانق نهر نيرا ، تسمح لنا بالتوضيح بأن أغمات التي وصفها المؤلف كانت تقع على اليسار عند النظر الى نهر اوريكا من السهل ـ أو غمات ـ أي من ضفة هذا النهر اليمنى ، والذي يجري في اتجاه معاكس لنهر نيرا.