الدنانير. ومع بزوغ الفجر أجلسوني تحت باب جامع ، وبعد أداء الصلاة ، تقدم كل واحد منهم بهدية وقبّل رأسي. فقدم واحد منهم لي ديكا ، وآخر قشرة جوزة ، وآخر ضفيرة أو اثنتين من البصل ، وغيره ضفيرة ثوم. وقدم لي أشرفهم هدية هي عبارة عن تيس. ولما لم أجد شخصا يشتري كل هذه الأشياء ، لأن المنطقة لا تعرف النقد المسكوك ، فقد تركتها لصاحب البيت لأنني لا أريد أن أحملها معي. ذاك كان أجر التعب والمقت خلال هذه الأيام العديدة. ولكن ، والحق يقال ، لقد واكبني خمسون من هؤلاء الغلاظ على طول جزء من الطريق الذي لم يكن مأمونا.
جبل سوساوة (١٩٩)
يأتي هذا الجبل بعد الجبل السابق الذكر. ويتولد منه نهر يحمل اسمه (٢٠٠). والسكان وحشيون للغاية ويحتربون باستمرار مع جيرانهم. وأسلحتهم هي حجارة يقذفونها بالمقلاع. ويعيش الناس على الشعير والعسل ولحم الماعز. ويعيش كثير من اليهود مختلطين بهم ، وهم الذين يمارسون في هذه الجبال حرفة الحدادة ويصنعون المجارف والمناجل وحدوات حوافر الخيل. ويقومون أيضا بمهنة المعمار التي لا تحقق لهم أرباحا هامة لأن الجدران تشيّد هنا بواسطة الطوب النيء والصلصال وتسقف البيوت بالقش ، إذ لا يوجد كلس (٢٠١) ، ولا قرميد ، ولا طوب مشوي. وتظهر كل المنازل مبنية بنفس الطريقة في سائر الجبال التي تكلمنا عنها قبل قليل. وبين سكان هذا الجبل العديد من الفقهاء الذين يرشدونهم في بعض القضايا. وقد تعرفت على بضعة منهم من الذين أتمّوا تخصيلهم في فاس ، واستقبلوني بوداد وأكثروا من الوعود في مرافقتي.
جبل سكسيوه
سكسيوة جبل غير منزرع ، عال جدا ، وشديد البرودة. وهو مغطى بغابات
__________________
(١٩٩) جبل سعيسعاوه (ماسينيون ١٩٠٦ ، ص ١٩٧).
(٢٠٠) لقد كتب سابقا تحت شكل سفساوة ، ومن المحتمل أن المقصود به واد شيشاوة الذي لم يعد يحمل هذا الاسم إلا في مجراه الأدنى. ولا نجد أي جبل يحتفظ بهذه التسمية.
(٢٠١) «ويسمى النورة في جزيرة العرب ، والكلس في بلاد الشام الشمالية ، ومنه جاءت كلمة كلسيوم في اللغات الأوربية. والشيد في فلسطين والأردن ، والجير في مصر ومعظم المغرب» (المترجم).