لحضيض الجبل عند عودته من دكّالة فإنه سيخرج لملاقاته وسيقدم له خدماته كصديق وخادم. ثم استأذنا هذا العجوز الطيب وظللنا نلهج بالشكر له وبالحديث عن خلاله في أثناء بقية الرحلة.
الجمعة
الجمعة (٢٨٨) مدينة تبعد مسافة خمسة اميال تقريبا (٢٨٩) عن المدينة السابقة ، وبنيت في أيامنا فوق جبل عال يقع بين جبال أخرى مرتفعة جدا ، وتؤوي قرابة خمسمائة اسرة. كما أن القرى الواقعة في هذه الجبال فيها من السكان مثل ذلك. وتوجد هنا عدة عيون والكثير من المزارع الخاصة بكل أنواع الأشجار المثمرة ، ولا سيما بعدد ضخم من اشجار الجوز الكبيرة .. وتتغطى كل التلال التي تحيط بهذه الجبال بحقول الشعير وبأعداد من شجر الزيتون. ويسكن المدينة عدد كبير من الصناع ، وخاصة من الدبّاغيين ، والسرّاجين ، والحدادين ، نظرا لوجود منجم حديد عميق جدا. ويصنع هؤلاء الحدادون الكثير من حدوات الخيل. ويصدّر أهل هذه المدينة كل الاشياء التي يصنعونها ويصدّرون بضائعهم الى الكور التي تفتقر الى مثل هذه المنتجات ، ويقايضون عليها بالعبيد وبالنيلة وبجلود بعض الحيوانات التي تعيش في الصحراء (٢٩٠) والتي يصنعون منها تروسا جيدة شديدة المقاومة. ومن ثم ينقلون هذه الاشياء الى فاس حيث يقايضونها بالاقمشة الصوفية والكتانية وبأشياء أخرى يستعملونها.
وهذه المدينة نائية جدا عن الطريق الرئيسية ، حتى إذا جاءها غريب ، تراكض كل الناس ، حتى الأطفال لرؤيته ، لا سيما إذا كان يلبس ألبسة غير مألوفة في المنطقة.
ويحكم الأهالي بواسطة مجلس بلدي.
وقد شيّدت «الجمعة» بجهود الدهماء من أهل تاغوداست على إثر شقاق وقع بين وجهاء البلدة المذكورة. ولما كان الدهماء غير راغبين في الإنضام إلى أي من الحزبين ، فقد غادروا تاغوداست وبنو مدينة «الجمعة» تاركين تاغوداست للوجهاء. وهكذا نجد
__________________
(٢٨٨) وتقع قرب سوق الاثنين الحالي في بلاد عشيرة انتيفة.
(٢٨٩) أي ٨ كم.
(٢٩٠) وهو الحيوان المسمى اللّمت او وعل أوريكس.