خاطه في ثنية من ردائه. وللبرهنة على الاحترام الذي يكنه لسيده طلب من الملك شخصيا أن يقوم بفتق الخياطة ، لأنه لم يكن يود أن يلمس يده هذا الكتاب الذي أقسم بالأيمسه. وقد ضحك الملك كثيرا من سلوك هذا الرجل وقام أحد كتابه بفتق خياطة الثنية التي تضم الرسالة.
وقد كانت هذه الرسالة مدبّجة بصورة مشوشة وغامضة ، حسب أسلوب قدامى الخطباء. وزاد الطين بلة الكلمة التي القاها السفير الزنجي بصوت جهوري. ولم يتمالك الملك وجلساؤه أنفسهم من الضحك ولكنهم أخفوا وجوههم بأيديهم أو بجانب من أطراف ثيابهم. ومع ذلك عامل الملك هذا الرسول بأكبر رعاية في أثناء بضعة الأيام التي قضاها في ضيافته. وأنزله عند إمام الجامع الكبير ، وأنفق عليه وعلى الأربعة والعشرين الذين كان عليه إطعامهم ما بين مرافقين وخدم ، إلى أن أعاده إلى بلده.
جبل غجدامه
غجدامه (٣١٥) هو اسم لجبل يتاخم السابق (٣١٦) ولكن هذا الجبل لا يكون مأهولا إلا على سفحه الشمالي. ويكون سفحه المطل على الجنوب غامرا تماما. وسبب ذلك هو أن إبراهيم ، ملك مراكش ، تعرض ، في أيامه ، لهزيمة على يد تلميذه المهدي ، والتجأ إلى هذا الجبل ورغب سكانه الذين اشفقوا عليه أن يمدوا له يد العون. ولكن الحظ خانهم ، وصب تلميذ المهدي جام غضبه عليهم. فحرق المنازل والقرى ، وقتل شطرا من الناس وطرد الباقين من الجبل (٣١٧). ويسكن القسم المأهول أناس يعيشون أسوأ معيشة ويرتدي جميعهم الاسمال. ويمارسون تجارة الزيت ويعتاشون من هذه التجارة. ولا ينبت هنا شيء باستثناء الزيتون والشعير. ولدى هؤلاء الكثير من الماعز والبغال الصغيرة جدا ، لأن الخيول ذات قوام صغير. وتحمي طبيعة الجبل حرية هؤلاء السكان.
__________________
(٣١٥) وبالبربرية ايخجدامن.
(٣١٦) يتاخم جبل تينواط من الجنوب وليس جبل تنزيته.
(٣١٧) لا تنسب هذه الحملة ضد غجدامة الى عبد المؤمن بل إلى المهدي محمد بن تومرت ذاته ، الذي استطاع في عام ١١٢٨ م ، في زمن الخليفة المرابطي أبو الحسن علي بن يوسف ، أن يخضع قبيلة غجدامة وولى عليهم حاكما من الموحدين ، ولكن غجدامه ثارت وقتلت هذا الحاكم ، فعاد ابن تومرت وصب عليهم جام غضبه.