لهم. فظلوا فيها مدة خمسين سنة إلى أن فقدت عائلة المنصور مملكتها. وقد كان سقوط هذه الأسرة مصيبة كبرى بالنسبة لهؤلاء العرب ، فوقعوا في بؤس شديد إلى أن تم طردهم على يد اللوك المرينيين (١٢).
وقد أقطع المرينيون هذا الإقليم إلى قبائل من زنانة وهوارة مكافأة لهم على الدعم الذي تلقوه منهم ، لأن هؤلاء وأولئك كانوا دوما يؤيدونهم ضد الملوك الخلفء في مراكش (١٣). وهكذا حصلت قبائل الزناتة وهوارة على حق التمتع بهذا الإقليم. وقد تكاثروا فيه وأصبحوا منذ مائة عام تقريبا ، عامل حال خوف لملوك فاس. ويقدر بعضهم أنهم يعدون ستين ألف فارس ومائتي ألف من المشاة.
لقد ترددت كثيرا على هذا الإقليم وسأتكلم لكم عنه بتفصيل.
أنفة : مدينة في تامسنه
أنفة مدينة كبيرة أسسها الرومان (١٤) على ساحل المحيط على مسافة ٦٠ ستين ميلا (١٥) شمال الأطلس وعلى مسافة ستين ميلا تقريبا شرقي آزمور (١٦). وكانت مدينة آمنة جدا ومزدهرة كثيرا لأن الأراضي المجاورة كانت خصبة صالحة لكل أنواع الحبوب. وتتمتع بأجمل موقع في إفريقيا ، فهي محاطة من كل الاتجاهات ، ما عدا الطرف الشمالي وساحل البحر ، بسهل يمتد على مسافة ثمانين ميلا (١٧). وفي داخل أنفة العديد من المساجد ، والدكاكين البديعة جدا ، والقصور العالية وما إلى ذلك من العمائر التي يقدر مبلغ عظمتها مما تخلف عنها من أطلال مهدمة. وكان منها أيضا الكثير من البساتين وكروم العنب.
__________________
(١٢) لقد تم نفي العرب من إفريقية (شمال تونس ومنطقة قسنطينة تقريبا) على يد الخليفة الموحدي أبو يوسف يعقوب بن عبد المؤمن المنصور. ووصلوا حوالي شهر رجب ٥٨٤ ه / ايلول (سبتمبر) ١١٨ م. وقد كان للخليفة الموحدي أبو حفص عمر المرتضي ، الذي حكم بين ٢٤ / ٦ / ١٢٤٨ و ٢٢ / ١٠ / ١٢٦٦ م خصومات شديدة مع عرب تلمسان ابتداء من سنة ٦٥١ ه / ١٢٥٣ ـ ١٢٥٤ م. وقد عمد السلطان المريني أبو يوسف يعقوب بن عبد الحق ، الملقب هو أيضا بالمنصور ، إلى احتلال تامسنه بعد شوال ٦٥٨ ه / حوالي تشرين الأول وتشرين الثاني ١٢٦٠ م ، بعد أن طرد النصارى من سلا ، الذين احتلوها. أما آخر خليفة موحدي ، وهو أبو العلا إدريس ، الملقب أبو دبوس ، والذي نودي به في ٢٣ / ١٠ / ١٢٦٦ م فقد قتل بتاريخ. ٢٩ آب (أغسطس) ١٢٦٩ م.
(١٣) أي الموحدين.
(١٤) أنفة. موقع الدار البيضاء الحالية ، وليست من تأسيس الرومان.
(١٥) ١٠٠ كم.
(١٦) في الحقيقة على مسافة ٩٠ كم شمال شرقي آزمور.
(١٧) ١٣٠ كم.