وحتى أيامنا ، لا تزال تجنى منها كمية كبيرة من الثمار ، لا سيما ثمار «الشمام» والخيار التي يبدأ نضجها في أواسط نيسان (ابريل). ومن عادة الناس نقل هذه الثمار إلى فاس لأن خضر فاس تتأخر عنها زمنيا.
وكان سكان أنفة غاية في حسن الهندام بسبب علاقاتهم الوثيقة مع التجار البرتغاليين والإنجليز. وكان بين ظهرانيهم رجال مثقفون جدا. ولكن كان هناك سببان أديا إلى تعاسة سكانها وخرابهم : الأول هو أنهم أرادوا أن يعيشوا بحرية دون أن تكون لديهم الوسائل ، والثاني أنهم جهزوا في مرساهم الصغير سفنا صغيرة قامت بإحداث تخريبات شديدة في شبه جزيرة قادس وعلى كل ساحل البرتغال. وكان من جراء ذلك أن أمر ملك البرتغال بتخريب أنفة. ولهذا الغرض أرسل أسطولا مؤلفا من خمسين سفينة مع قوات محاربة ومدفعية هامة. وعندما رأى السكان وصول الأسطول ، جمعوا أغلى ما يملكونه ، وهربوا إلى الرباط وإلى سلا تاركين مدينتهم. ولما كان قائد الأسطول لا يعرف شيئا عن الوضع في المدينة ، فقد خطط للمعركة وأخذ يطبق تخطيطه. ولكن لما لم يظهر أمامه أحد ، أدرك ما حدث وأنزل قواته إلى البر. ودخل هؤلاء إلى أنفة بعنفوان شديد أدى إلى نهب المدينة وتخريبها تماما في خلال نهار واحد ، فأحرقوا البيوت وقوضوا الأسوار في عدة نقاط (١٨). وظلت أنفة حتى الآن مهجورة. وعندما ذهبت إليها لم أستطع أن أتمالك دموعي لأن معظم البيوت والدكاكين والجوامع لا زالت قائمة وتقدم خرائبها للعين منظرا جديرا حقا بالرثاء. ولا تزال ترى مزارع أشجار عامرة لا تزال تنتج بعض الثمار. وهكذا أدى عجز ملوك فاس وعيوبهم إلى وصول أنفة لمثل هذه الحالة حتى أنه لا أمل في أن تعود مأهولة (١٩).
مدينة المنصورة
المنصورة بلدة صغيرة بناها المنصور ملك مراكش في سهل جميل جدا ، وتقع على مسافة ميلين من المحيط ، أو على مسافة خمسة وعشرين ميلا من الرباط ونفس المسافة تقريبا عن أنفة. وكان فيها حوالي أربعمائة أسرة. ويمر من قرب المدينة نهر صغير يدعى
__________________
(١٨) حدث ذلك سنة ١٤٦٨ م. وبعد ذلك غادر البرتغاليون أنفة.
(١٩) لقد خاب تنبؤ الحسن الوزان امام هذا الثراء الهائل الذي احرزته الدار البيضاء في القرن العشرين.