الرّباط
الرباط (٣٣) مدينة كبيرة بنيت في الأزمنة الحديثة من قبل المنصور ، ملك وخليفة مراكش. ويمر على طولها ، من الشرق نهر أبو الرقراق. وهو يصب في البحر. وبنيت قلعة المدينة عند مصبه ، فهي على النهر من جهة وعلى البحر من جهة أخرى.
وتشبه هذه المدينة في أسوارها وأبنيتها مدينة مراكش لأنها بنيت من قبل المنصور لنفس الغرض ، ولكنها تبدو صغيرة جدا بالموازنة مع مراكش. وإليك سبب تأسيس الرباط : لقد كان المنصور يحكم حينذاك على كل إقليم غرناطة وعلى جزء من أسبانيا. ولما كانت هذه البلاد نائية جدا عن مراكش ، فقد خطر ببال الملك أن هذه المدينة إذا ما تعرضت لهجوم من طرف النصارى ، فلن يتمكن أن يهب لنجدتها بسهولة. وهكذا فكر في أن يشيد مدينة على سيف البحر ذاته حيث يستطيع أن يبقى طيلة الصيف مع قواته. وقد نصحه بعضهم بالإقامة في سبتة التي هي مدينة واقعة على مضيق جبل طارق. ولكن الملك لاحظ ان هذه ليست بالمدينة التي تستطيع أن تكفي لمرابطة جيش في أثناء مدة ثلاثة أو أربعة شهور ، بسبب عقم الأرض في هذه المنطقة. كما فكر أيضا في ان هذا لن يمردون أن يسبب امتعاضات لدى أهل سبتة بسبب سكنى العسكريين وموظفي البلاط الملكي. ولهذا عمل على بناء مدينة الرباط في بضعة أشهر. وزودها بالمساجد والمدارس وكل أنواع القصور والبيوت والدكاكين والحمامات ومخازن الأدوية. وشيد في خارج الباب الذي يتجه نحو الجنوب منارة مماثلة لمنارة مراكش ، ولكن مع مطلع أكثر عرضا بكثير ، وفي الواقع يستطيع ثلاثة فرسان أن يصعدوا إليها جنبا إلى جنب. ويقال أنه من الممكن من أعلاها رؤية سفينة في عرض البحر على مسافة كبيرة جدا. وأعتقد أنها تعتبر ، نظرا لارتفاعها ، من أجمل الأبنية المشيدة في العالم (٣٤).
وأراد الملك أيضا أن يستوطن في المدينة العديد من الصناع والمثقفين والتجار. وأعطى الملك أمرا بأن كل مواطن فيها ينال مكافأة علاوة على الربح الذي تدره عليه مهنته. وقد أدى ذلك إلى اجتذاب أناس إلى هذه المدينة من كل الأصناف ومن كل المهن ، حتى لقد غدت الرباط ، خلال وقت قليل ، من أشرف المدن في كل إفريقيا وأغناها ، إذ كان لسكانها دخل مزدوج ، أولا المكافأة المقررة وثانيا ربح التجارة مع العسكريين ومع
__________________
(٣٣) عاصمة المملكة المغربية الحالية.
(٣٤) الواقع أن برج حسان يرتفع لأكثر من ٤٤ م ولكن موقعه يمنحه بروزا بديعا جدا ، وعرض مطلعه متران.