رجال الحاشية الملكية. وكان المنصور يسكن هذه المدينة من بداية شهر نيسان (أبريل) إلى شهر ايلول (سبتمبر). ولما كانت المدينة قائمة في موقع يفتقر للماء الجيد ، لأن ماء البحر يختلط عندها بماء النهر ، ولما كانت موجة المد تصعد لمسافة اثني عشر ميلا في النهر ، ونظرا لأن مياه الآبار مالحة ، فقد جرّ المنصور إليها ماء عين واقعة على مسافة اثني عشر ميلا من المدينة بواسطة قناة بديعة البناء ، قائمة فوق حنايا تماثل تلك التي ترى في كل إيطاليا ، لا سيما بجوار روما. وتنقسم هذه القناة إلى عدة فروع تقود إحداها الماء إلى المساجد والمعاهد والقصور الملكية والأحواض العامة التي أقيمت في كل الأنحاء (٣٥).
وبعد وفاة المنصور أخذت هذه المدينة في التدهور حتى إنه لم يبق منها سوى العشر. فقد تقطعت القناة وتخربت أثناء حروب المرينيين ضد أسرة المنصور. والرباط الآن في أسوأ حالة عرفتها وأعتقد أنه لا يمكن العثور فيها ، إلا بصعوبة ، على أربعمائة بيت مسكون قرب القلعة ، مع بعض الدكاكين الصغيرة. وفضلا عن ذلك فهي مهددة باحتلال البرتغاليين لها. والحقيقة أن كل ملوك البرتغال السابقين خططوا المشاريع لاحتلالها على اعتبار أنهم إذا ما استولوا على الرباط فإنهم سيتمكنون بسهولة من احتلال
__________________
(٣٥) لقد كانت كلمة الرباط تعني عند العرب المسلمين الثغر المتقدم لإقامة الفرسان ، وحيث كانت تربط الخيول فيه ، فالكلمة مأخوذة من ربط الخيل ومن رابط بمعنى أقام بانتظار الجهاد. وهكذا تجهزت كل الجبهة الأرضية والبحرية لجيوش الفتح الإسلامي بهذه المراكز العسكرية التي تمنح منعة للمجاهدين في سبيل الله وتدعم إيمانهم. وقد أنشىء رباط الضفة اليسرى لمصب نهر أبو الرقراق ، أي رباط سلا ، كرأس جسر ضد المارقين من قبيلة برغواطة. وفي أواسط القرن التاسع كان يتواجد أحيانا في هذه الرباطات كما في الرباطات المجاورة حوالي مائة ألف من المرابطين مجتمعين ، وظل اسم بلد المجاهدين معروفا بجوار البحر ، جنوبي الرباط. ويعود إنشاء مدينة في هذه المنطقة ، في الغالب ، للخليفة عبد المؤمن الذي كان عليه ان يقمع في سنة ١١٤٩ م آخر تمرد قامت به برغواطة ، الذين عجز المرابطون عن إبادتهم جميعا في عامي ١٠٥٩ ـ ١٠٦٠ م. وقد بنى المدينة في مكان قصر كان يخص بني كنانة ، وسماه المهدية ، تخليدا لذكرى المهدي بن تومرت. ولكن الاستعمال الدارج عمل على تفوق اسم رباط الفتح ، وهذا بلا شك بسبب نجاح تلك الحملة ضد برغواطة. وفي سنة ١١٥٠ م عمل عبد المؤمن على جر مياه عين غابولة ، وهو نبع يقع على مسافة ٢٠ كم نحو الجنوب. وبعد ثلاثين عاما عمل حفيده أبو يوسف يعقوب المنصور الذي حقق بتاريخ ١٩ تموز (يونيو) ١١٩٥ م الظفر المؤزر في معركة الأركوس في الأندلس ، أقول عمل على تنفيذ مشروع التنظيم الذي يلخصه هنا المؤلف : أي جعل من الرباط قاعدة لتمركز الجيوش على أن يمتد تمركزها هذا على البلاد الهامة الواقعة على ساحل المحيط من الرباط حتى القصر الصغير شمالا. وقد شيد في الرباط ، على الخصوص ، حصن الفرح الذي لا يزال بابه البديع ماثلا. والمسمى حاليا باب الأوداية ، وكذلك الجامع الكبير الذي كان برج حسان منارته. كما أعاد بناء سور شلا (سلا) حيث أقام فيها مدينة ملكية ودينية وعسكرية ، لأن الرباط كانت مدينة تجارية وعمالية. وقد سمحت له الغنائم المذهلة التي تحققت من وراء حملته في أسبانيا في فترة ١١٩٥ إلى ١١٩٨ م بتمويل هذه الإنجازات وكثير غيرها في امبراطوريته. ويعتبر عام ١١٩٧ تاريخ تأسيس الرباط ولكن تحقيق هذه المشاريع استدعى بالتأكيد زمنا طويلا نوعا ما.