تاغيه
تاغية (٤٥) مدينة قديمة بناها الأفارقة بين الجبال التي تؤلف جزءا من جبال الأطلس (٤٦). والطقس بارد جدا وأراضي الزراعة فيها هزيلة خشنة. أما الغابة الرائعة المحيطة بها فهي عرين أسود هائجة. ولا ينبت سوى القليل من القمح في هذه المنطقة ، ولكن يكثر فيها الماعز والعسل. وتتصف هذه المدينة بشدة تقشفها ، فمنازلها رديئة البنيان ، دون كلس. ويوجد قبر ولي عاش في عصر الخليفة عبد المؤمن. ويقال إن هذا الولي قام بالعديد من الخوارق ضد الأسود وأنه كان عرافة عظيما. بل لقد قام أحدهم بتأليف كتاب عن معجزاته وروايتها بعناية واحدة واحدة ، وكان هذا المؤلف رجلا عالما يسمى التادلي. وأعتقد شخصيا بعد قراءة قصة هذه الخوارق بأنها حدثت نتيجة لفن سحري ، أو بالاستعانة بنوع من سر كان يحتفظ به هذا الولي تجاه الأسود (٤٧). وشهرة هذه الأعمال والتبجيل الذي كان يكنه الناس لهذا الولي هما السببان اللذان جعلا هذه المدينة مقصودة بكثرة. ويزور أهالي فاس هذا الضريح في كل السنين بعد عيد الفطر. ويأتيه رجال ونساء وأطفال كأنهم جيش زاحف. ويجلب كل واحد خيمته معه على ظهر دابته فتأتي الحيوانات مثقلة بالخيام وبالحاجات الأخرى الضرورية للمعاش في أثناء المدة التي يقيمها الوافدون. وتتألف كل مجموعة من مائة وخمسين خيمة. وتستغرق الرحلة بين ذهاب وإياب مدة خمسة عشر يوما. وتقع تاغية على مسافة مائة وعشرين ميلا (٤٨) من فاس. وقد اصطحبني والدي معه وأنا طفل عند زيارة هذا الضريح. وبعد أن كبرت كنت أقصده أحيانا وفاء لنذر نذرته عند ما تعرضت لخطر الموت بسبب الأسود وأنجاني الله من ذلك.
__________________
(٤٥) تاغية أو مولاي بوعزة.
(٤٦) إن البلدة ، المعروفة لدينا باسم مولاي بوعزة ، لا تزال تحمل الاسم البربري تاغية ، ومعناها ، كما يظن ، المكان الوعر والمغطى بالغابة.
(٤٧) هذا الولي هو أبو عزة النور بن ميمون بن عبد الله الحزيري ، الذي توفي بعد عمر مديد في نيسان ١١٧٧ م. أما راوية خوارقه فكان أبا الحجاج يوسف بن يحيى التادلي الملقب بأبن الزيات ، مؤلف كتاب «التشوق» الذي كتبه سنة ١٢٢٠ م.
(٤٨) ١٨٠ كم.