مناصفة مع سكان فاس أو مع الملك ورجال حاشيته. ولكن يزرع أرياف سلا ومكناس عرب أشراف وفرسان وهم من أتباع الملك. وسأتكلم لكم الآن عما يستحق الذكر.
سلا
سلا (٥٣) مدينة قديمة جدا بناها الرومان وتغلب عليها القوط. وعندما دخلت جيوش المسلمين هذه المنطقة سلمها القوط إلى طارق قائد هذه الجيوش (٥٤). وبعد تأسيس فاس (٥٥) انضوت تحت سلطة ملوك فاس. وقد بنيت هذه المدينة على ساحل المحيط في موقع بديع جدا. ولا تزيد المسافة بينها وبين الرباط عن ميل ونصف ، ويفصل نهر أبو الرقراق بين المدينتين. وبيوتها مشيدة حسب الطريقة التي كان يتبعها القدامى ، وهي مزينة كثيرا بالفسيفساء وبأعمدة الرخام. وجوامعها جميلة ومزخرفة. وينطبق هذا الوصف نفسه على الدكاكين ، الواقعة في أروقة كبيرة وجميلة. وعندما يجتاز المار عدة دكاكين تظهر قنطرة مبنية ، للفصل بين أرباب مهنة وأخرى. وأخلص من ذلك إلى القول بأن سلا حازت على كل الزينة التي تميز مدينة ذات حضارة رفيعة ، وفضلا عن ذلك فإن لها ميناء جيد كان يقصده تجار النصارى من مختلف الجنسيات ، من جنوبيين وبنادقة وانجليز وفلمنك ، لأنها كانت ميناء لكل مملكة فاس ، ولكن تعرضت هذه المدينة لهجوم اسطول ملك قشتالة الذي استولى عليها في عام ٦٧٠ للهجرة (٥٦) ، وهرب سكانها ، وأقام فيها النصارى ، ولكن لم يتح لهم ذلك لأكثر من عشرة أيام ، لأنهم تعرضوا فجأة لهجوم يعقوب ، أول ملك من أسرة بني مرين ، ولم يكونوا متأهبين لذلك إذ لم يكونوا يظنون أن الملك سيتخلى عن حملته على تلمسان التي كان يخوضها حينئذ (٥٧). وهكذا تم استرداد المدينة وقتل كل النصارى الذين كانوا فيها ، ولجأ الباقي إلى السفن وانهزموا. وهذا هو السبب الذي جعل الملك يعقوب وكل أفراد أسرته الذين حكموا من بعده يتمتعون بمحبة أهالي هذه المناطق.
__________________
(٥٣) في اللغة العربية سلا أو سالة ولم يكن الرومان هم مؤسسوها.
(٥٤) هو طارق بن زياد ، أمير مصمودة منطقة طنجة ، سنة ٧٠٩ م.
(٥٥) آخر القرن الثامن أو بداية القرن التاسع الميلادي.
(٥٦) في الحقيقة عام ٦٥٨ ه. أو يوم الجمعة ، ٢ شوال ١٠ أيلول (سبتمبر) ١٢٦٠ م.
(٥٧) وهو الملك يعقوب بن عبد الحق الذي بلغه نبأ سقوط المدينة بعد يومين وكان في فاس أو في تازة ، فهرع على عجل وأنقذ سلا ، وهكذا كانت المدة التي بقيت فيها سلا بأيدي النصارى أربعة وعشرين يوما.