وعلى الرغم من استرداد سلا بسرعة فإنها ظلت بعد ذلك أقل سكانا وأقل عناية. ونجد في كل المدينة ، ولا سيما قرب جدار السور ، الكثير من البيوت الخالية التي تحتوي على أعمدة بديعة جدا ونوافذ من الرخام المختلفة الألوان. ولكن لا يقدرها الأهالي حق قدرها في أيامنا. وضواحي سلا كلها رملية. وتوجد بعض الأراضي الزراعية التي ينبت فيها القليل من القمح. ولكن البساتين عديدة وكذلك الحقول التي تنتج كمية كبيرة من القطن. ومعظم سكان المدينة من الحاكة الذين يصنعون قماشا من القطن يبدو شديد النعومة وجميلا جدا. وتصنع كذلك في سلا كمية عظيمة من الأمشاط التي تصدر إلى مختلف المدن في مملكة فاس ، وذلك لأنه يوجد بجوار هذه المدينة غابة مليئة بأشجار البقص وأنواع أخرى من الشجر التي يصلح خشبها لعمل الأمشاط.
ويعيش الآن أهل سلا عيشة طيبة. إذ يوجد فيها حاكم وقاض وعدد من الموظفين الآخرين ، مثل موظفي المكس وجباية ضرائب المعاملات التجارية ، وذلك لأن الكثير من التجار الجنويين يقصدونها ويعقدون فيها صفقات هامة ، ويلقون من الملك اهتماما ورعاية لأن تجارتهم تحقق له موارد جزيلة. ولهؤلاء التجار مستودعاتهم في كل من فاس وسلا. وعند شحن بضائعهم يتعاونون فيعمل الواحد منهم لحساب الآخر. وقد وجدتهم صادقين جدا وبشوشين للغاية في المعاملات. وهم ينفقون الكثير من المال كي يحصلوا على صداقة الأمراء ورجال الحاشية. وهم لا يفعلون ذلك عن جشع ورغبة في استغلال هؤلاء العظماء للحصول على المال بل ليتمكنوا من العيش في أوضاع كريمة في هذه البلاد الغريبة عليهم. وكان يوجد في أيامي وجيه من جنوه مبجل بشكل خاص يدعى توماسو دومارينو ، وهو رجل عاقل وطيب حقا ، وغني جدا ، وكان الملك يكن له تقديرا كبيرا ويحبه كثيرا. وعاش ثلاثين سنة في فاس ، وحينما وافته منيته ، عمد الملك ، تنفيذا لوصية هذا الوجيه إلى نقل جثته إلى جنوا. وقد خلف هذا الرجل بضعة أبناء كلهم أغنياء ومحترمون لدى الملك وكل حاشيته.
فنزاره
فنزارة (٥٨) ليست بالمدينة الكبيرة جدا ، ولكنها قامت في سهل جميل للغاية على يد
__________________
(٥٨) تحدد النصوص العربية موقع فنزارة على طريق فاس ، قرب سلا ، ولكن لم يعثر على موقع هذه البلدة حتى الآن.