أحد الملوك الموحدين على مسافة عشرة أميال (٥٩) من سلا. والسهل كله خصيب تجود فيه الحنطة والحبوب الأخرى. وتوجد في خارج البلدة ، قرب الأسوار ، أحواض جميلة جدا بناها أبو الحسن علي ، ملك فاس (٦٠). وفي أيام الملك أبي سعيد ، الذي كان آخر ملك من الأسرة المرينية (٦١) حدث أن كان حينئذ أحد أعمامه ـ ويدعى سعيدا ـ سجينا عند عبد الله ملك غرناطة ، وقد توسل هذا إلى ابن أخيه بأن يستجيب لطلب تقدم به هذا الملك. ولما رفض أبو سعيد ، عمد الملك إلى إطلاق سراح سعيد من السجن كي يرسله على رأس قوات كبيرة وميزانية حربية عظيمة ليحارب ملك فاس وليقضي عليه. فحاصر سعيد مدينة فاس بمساعدة بعض الجبليين العرب ، ودام هذا الحصار سبعة أعوام تم في أثنائها تدمير القرى والمدن والقصور في كل المملكة. ثم تفشى الطاعون في جيشه وقضى نحبه مع قسم من قواته. وحدث هذا في عام ٩١٨ هجرية (٦٢). والمدن التي تخربت في تلك الفترة لم تعمر بالسكان مرة ثانية ولا سيما فنزارة التي اقطعت كي تكون مقرا لشيوخ من العرب الذين عاونوا سعيدا.
__________________
(٥٩) ١٦ كم.
(٦٠) حكم بين ١٣٣١ و ١٣٤٨ م.
(٦١) سهو من جانب المؤلف ، الذي لا يجهل أبدا أن آخر ملك مريني كان عبد الحق بن أبي سعيد عثمان.
(٦٢) هذه الأحداث المفرطة في خطورتها معروفة لدينا حسب روايتين مختلفتين إحداهما عن الأخرى قليلا :
فحسب الرواية الاولى كان سلطان غرناطة ابن الاحمر ، وهو الاسم الذي يعطيه كل المؤرخين العرب لسائر ملوك هذه الأسرة في هذه الحقبة ، والذي كان يدعى أبا الحجاج يوسف أو أبا الحاجز عند المؤرخين الأسبان ، أقول كان يحتجز بالسجن مع مرينيين آخرين ، ابن عم سلطان فاس ، وهو المدعى محمد ، الملقب السعيد بن عبد العزيز. وحفيد السلطان إبراهيم ، وأما سلطان فاس فكان أبا سعيد عثمان ، ابن السلطان أحمد وحفيد السلطان إبراهيم. وفي عام ٨٦٣ ه / ١٤١١ م أطلق سلطان غرناطة سراح السعيد بناء على طلب سلطان تونس الذي كان في حالة حرب مع سلطان فاس ، واعترف به سلطانا على فاس. وتقدم السعيد لمحاصرة فاس في أواخر عام ٨١٣ ه / نيسان (ابريل) ١٤١١ م واستمر الحصار شهرين ثم اضطر لرفعه ، ولكنه أمعن في تخريب ضواحي المدينة ، واستأنف الحصار في صفر أو آب (أغسطس) ١٤١١ م. وبعد عشرين يوما انكسر من جديد واضطر للانسحاب إلى سلاكي يعيد تشكيل قوات جديدة. وعاد إلى فاس في شعبان / تشرين الثاني (نوفمر) وكانون الأول (ديسمبر) ١٤١١ وشيد في مواجهة فاس مدينة دعاها المنصورة. وفي أواخر عام ٨١٣ ه آذار (مارس) ظهر أمام المدينة وافلح في اقتحامها. ولكن قامت ثورة أدت إلى طرده منها واضطر للهرب إلى تونس ، ثم مات في عنابة في أثناء الطريق.
وتقول الرواية الأخرى أن السعيد حاصر فاس في سنة ٨٦٥ ه وتعرض السكان لمحن شديدة. واستمر الحصار حتى شعبان / تشرين الثاني (نوفمبر) ١٤١٢ وهي الفترة التي اضطر فيها السعيد للهرب. وعاد في شوال أو كانون الثاني (يناير) ١٤١٣ ولكن السكان خرجوا إليه ونشبت معركة قتل فيها حصانه وسقط أسيرا ثم أعدم. وفي خلال هذا الوقت كان السلب والمجاعة يفتكان بالسكان وأعقب ذلك جائحة وتخريب سائر البلاد. والجائحة المقصودة هي الطاعون الذي تكلم عنه المؤلف.