وبعد ذلك حمل يوسف ، ملك لمتونة (١١٢) بجيش جرار على هذين الأميرين ، وقبض عليهما ، واذاقهما ميتة شنيعة (١١٣). وحينئذ فنيت أكثرية سكان المدينتين تقريبا ، وتخربتا ، وقتل من أهلهما ثلاثون ألف شخص. وقرر الملك يوسف ضم سكان المدينتين في واحدة وهدم السورين اللذين كانا يفصلان المدينتين احداهما عن الاخرى ، وبنى جسورا على النهر كي يمكن الانتقال بسهولة أكبر بين ضفة وأخرى. وهكذا لم تعد تؤلف المدينتان سوى واحدة مثلما قسمت هذه الأخيرة إلى عشرة أحياء ، أو بصورة أدق إلى عشر مناطق.
والآن وبعد أن اطلعتكم على أسباب بناء فاس ، وبيّنت لكم كيف بنيت ، سأقوم الآن بوصف حالتها الراهنة اليوم.
وصف دقيق ومتقن لفاس
مدينة فاس ، بكل تأكيد ، مدينة كبيرة جدا. فهذه المدينة محاطة بتلال وبأسوار عالية. وتكاد تكون ، جلها ، مشيّدة فوق تلال بحيث يكون قلب المدينة ، وحده ، هو القائم فوق منبسط من الأرض. ومن الأطراف الأربعة لا يوجد سوى منحدرات ، كما قلت ذلك. ويدخل الماء إلى المدينة من نقطتين ، فيمر أحد فرعي النهر من طرف فاس الجديد ، أي من الجنوب ، ويدخل الفرع الثاني ، إلى المدينة من الغرب.
وبعد دخول الماء إلى المدينة يتوزع بواسطة عديد من القنوات تسوق معظمه لبيوت سكان المدينة وإلى حاشية البلاط الملكي وكذلك إلى الأبنية الأخرى. ولكل جامع أو مسجد نصيبه من هذا الماء ، وكذلك الحال بالنسبة للفنادق والمستشفيات والمعاهد. ويوجد بجوار الجوامع مراحيض عامة ، وهي أبنية مربعة الشكل تحوي على طرفيها حجيرات ذات أبواب صغيرة. ويوجد في كل مرحاض حوض ، ويخرج الماء من الجدار ويجري في ميزاب من الرخام. ولما كان تيار الماء على قدر لا بأس به من السرعة ، فإن هذا الماء ينظف المراحيض ويكسح فضلاتها وأوساخ المدينة ويقذف بها في النهر. وفي وسط هذا البناء توجد بركة عمقها حوالي ثلاثة أذرع ، وعرضها أربعة ، وطولها اثنا عشر
__________________
(١١٢) يوسف بن تاشفين.
(١١٣) في ١٨ آذار (مارس) ١٠٧٠ م.