مختلف المهن. ومن بين هؤلاء يوجد بعض العاملين في برد الأشياء الحديدية ، كالركابات والمهاميز ، إذ ليس من عادة الحدادين برد مصنوعاتهم بالمبرد. ويتلوهم العمال الحرفيون الذين يشتغلون بالاخشاب ولكنهم لا يصنعون سوى أشياء كبيرة كالمحاريث وعرائش العربات ودواليب الطواحين وأدوات عادية أخرى.
ثم يأتي الصباغون الذين هم جميعا بجوار النهر. وفي سوقهم بركة كبيرة بديعة جدا يغسلون فيها غزل الحرير. ويجيء بعدهم البياطرة الذين يحذون الخيول والحيوانات الأخرى. وأبعد من ذلك نجد الصناع الذين يثبتون أقواس الفولاذ على راشقات السهام. وأخيرا نجد العمال الذين يصقلون الأقمشة الكتانية. وهنا تنتهي أسواق قسم من المدينة ، أي تلك التي تقع في الغرب. وكان هذا الجزء فيما مضى من الزمن ، كما سبق أن ذكرنا ، مدينة قائمة بذاتها ، أنشئت بعد الأخرى ، أي بعد تلك التي تقع على الجانب الآخر من النهر ، أي إلى الشرق (١٥٤).
القسم الثاني من مدينة فاس
هذا ويكون الجزء الشرقي من المدينة متحضرا جدا كذلك. ففيه أبنية جميلة ، ومدارس وجوامع. ولكنه لا يحتوي في الواقع مثل القسم السابق على مختلف طوائف المهن. فلا نجد فيه مثلا نجارين ولا خياطين ولا حذائين باستثناء بعض باعة القماش الصوفي والأشياء الغليظة. وفيه سوق صغيرة للعطارة لا تضم سوى ثلاثين دكانا. ويوجد بجوار سور المدينة صناع القرميد وأفران الخزافين (١٥٥) ، ونجد تحت هؤلاء سوقا كبيرة تباع فيها
__________________
(١٥٤) لقد تأسست الأولى ، التي تسمى اليوم المدينة ، في عهد ادريس بن ادريس في عام ١٩٣ ه / ٨٠٩ م وكانت تدعى العالية ، والتي اتخذت اسم مدينة القرويين بسبب اعمارها بثلاثمائة اسرة من القيروان الذين قدموا اليها ليستوطنوها بعد تأسيسها بقليل. أما الثانية التي يظن ان ادريس بن عبد الله هو الذي أنشأها ، فقد بدأ إنشاؤها من خريف ١٧٣ ه / ٧٩٨ م تحت اسم مدينة فاس ، فقد اشتهرت باسم عدوة الأندلسيين ، بعد أن وفد إليها واستقر فيها اربعمائة اسرة أجليت عن قرطبة بعد الثورة الدامية التي اطلق عليها «ثورة الربض Revolte du faubourg» والتي حدثت عام ٢٠٢ ه / ٨١٧ ـ ٨١٨ م. وبعد ان تلاحمت المدينتان في مدينة واحدة على اثر فتح المرابطين لها في عام ١٠٧٠ م ، لم يعد هناك تمييز بين عدوة القرويين وعدوة الاندلسيين. ولكن منذ بضعة قرون احتفظت الاخيرة باسم العدوة ولا يزال جامعها الكبير يحمل اسم جامع الاندلسيين ، مثلما احتفظ جامع الضفة الاخرى باسم جامع القرويين : ذاك هو وصف العدوة الذي سيأتي بعد قليل.
(١٥٥) ولا يزال هؤلاء متجمعين فيه بجوار باب الفتوح.