القواعد والخصائص التي يطبقها بعضهم تجاه شريعة محمد
يوجد في فاس بعض الأشخاص الذين يحملون اسم الصوفية ، أي علماء أو اساتذة الأخلاق. وهم يتبعون بعض النواميس التي لم يأمر بها محمد صلّى الله عليه وسلّم. فبعضهم يعتبرهم من الراشدين ، وبعضهم لا يرى ذلك ، ولكنهم في نظر العامي من الأولياء. فمن الناحية الشرعية مثلا لا يجوز الغناء ولا تلحين أية قصيدة في الحب. ولكن هؤلاء يبيحون ذلك ، وتشمل طرائقهم عدة فروع ، ولكل منها قواعدها الخاصة ، ورئيسها الذي يدافع عنها ، وعلماؤها الذين يؤيدون مبادئها ، وكتبها العديدة عن الحياة الروحية.
وقد نشأت الصوفية بعد ثمانين عاما من وفاة محمد صلّى الله عليه وسلّم (١٨٠). ويدعي أكثر مؤسسيها شهرة الحسن بن أبي الحسن البصري (١٨١) ، من مدينة البصرة. وقد أخذ في البداية يسرّ بعض القواعد لتلاميذه لأنه لم يكتب شيئا. وبعد مائة عام ظهر رجل آخر ، عظيم القدر في هذا المضمار ، هو أبو عبد الله الحارث بن أسد المحاسبي (١٨٢) ، من مدينة بغداد ، وألف كتابا جيدا عرض فيه تفاصيل طريقته لكل مريديه. بيد أن الفقهاء أنكروا هذا المذهب فيما بعد ونصحوا الخلفاء بمناهضته وأعدم كل الذين كانوا يسلكون هذا المسلك. ولكن هذا المذهب تشكل من جديد بعد ثمانين عاما تحت إدارة رجل كبير القدر للغاية وتبعه كثير من المريدين ، ودعا علنا لطريقته مما جعل العلماء يتفقون مع الخليفة وحكم عليه بالإعدام مع أتباعه ، وتقرر ضرب أعناقهم جميعا. ولما علم هذا الرجل بذلك طلب إلى الخليفة بأن يتكرم عليه فيسمح له بمناظرة كل الفقهاء. وإذا خرج مغلوبا فإنه سيتقبل حكم الموت عن طيب خاطر ، ولكن إذا استطاع أن يبرهن بأن طريقته هي الأفضل ، فلن يكون من الإنصاف قتله مع هذا العدد الكبير من الأبرياء المساكين بسبب تهمة مفتراة وبدون أساس. وقد تراءى هذا الطلب للخليفة عادلا فمنحه العفو المطلوب. وهكذا ذهب هذا العالم إلى ذلك المؤتمر الغريب وتغلب على كل الفقهاء بأيسر شكل ، حتى أن الخليفة نفسه اعتنق مذهبهم وهو يبكي وانتسب إلى طريقتهم. وقد ظل
__________________
(١٨٠) أي حوالي العام ٩١ ه / ٧١٠ م ، لأن الرسول توفي يوم ١٢ أو ١٣ ربيع الأول في العام الثاني عشر للهجرة أو ٧ ـ ٨ حزيران (يونية) ٦٣٢ م.
(١٨١) توفي سنة ٧٢٨ م.
(١٨٢) توفي عام ٨٥٧ م.