ولا أشك في أنني كنت مملا نوعا ما في هذا الوصف الطويل والغزير جدا عن مدينة فاس. ولكن كان من الضروري بالنسبة لي أن أطنب في الحديث عنها ، نظرا لأن حضارة بلاد البربر وعظمتها ، بل حضارة إفريقيا كلها وعظمتها ، يتمركزان فيها ، ومن ناحية أخرى كي أخبركم تماما بأدق التفاصيل عن وضع هذه المدينة وخصائصها.
مكرمده
مكرمده مدينة صغيرة تقع على مسافة عشرين ميلا (٢٣٨) شرقي فاس (٢٣٩). وقد بناها ملوك زناتة على ضفة نهر صغير في سهل بهيج جدا. وقد كانت في الماضي مركز كورة كبيرة وكانت آمنة للغاية. وتكثر الكروم ومزارع الأشجار المثمرة على طول النهر. وكان من عادة ملوك فاس منح عوائد هذه البلدة لرئيس وكلائهم على الإبل. ولكنها تخربت وهجرت على أثر حروب الأمير سعيد (٢٤٠) ولا يظهر منها اليوم سوى جدرانها. أما كورتها فمؤجرة لبعض أشراف فاس ولبعض المزارعين.
قصر العبّاد
وهو قصر مشيد فوق جبل عال على مسافة ستة أميال من فاس (٢٤١). ومن هذا القصر يمكن رؤية فاس والبوادي التي تحيط بها. ويعود أصل هذه التسمية إلى أنها كانت مقام زاهد يعتبره سكان فاس من الأولياء. ولكن هذا القصر لا يحوي حوله سوى القليل من الأراضي الصالحة للزراعة ، ولهذا فهو غير مأهول ، وبيوته مهدمة. ولم يبق منه سوى السور والمسجد. غير أن الأرض الزراعية الزهيدة فيه تخص جامع فاس. وقد قضيت في هذا القصر أربعة فصول صيف ، لأن هواءه عليل جدا ومعتدل ، ولأن هذا المكان المنعزل مناسب كثيرا لمن يرغب في الدرس ، ولأن والدي استأجر هذه الأرض مدة أربعة أعوام من وكيل الجامع (٢٤٢).
__________________
(٢٣٨) ٣٢ كم.
(٢٣٩) لم يمكن تحديد موقع هذه المدينة ، ولعلها كانت تقع في وادي ايناون.
(٢٤٠) بين ١٤١١ و ١٤١٢ م.
(٢٤١) ١٠ كم.
(٢٤٢) لا يزال هناك ضريح سيدي أحمد البرنوسي وهو واقع فوق هضبة شمال شرق جبل زلاغ ، على ارتفاع ٧٥٩ م وعلى ارتفاع حوالي ٥٥٠ م من وادي سبو ، ٣٠٠ م من سهل فاس.