أرزيلا
ارزيلا (٣٢٥) ويسميها الأفارقة آزيللا ، كانت مدينة كبيرة بناها الرومان على ساحل المحيط على مسافة سبعين ميلا تقريبا من مضيق أعمدة هرقل وعلى مسافة مائة وأربعين ميلا من فاس (٣٢٦). وكانت هذه المدينة خاضعة لأمير سبتة الذي كان تابعا للرومان. ثم استولى عليها القوط الذين أقروا هذا الأمير في حكمه بالفعل. وقد احتلها المسلمون عام ٩٤ ه (٣٢٧) واحتفظوا بها مدة مائتين وعشرين عاما إلى أن هاجمها الانكليز بأسطول كبير بتحريض من القوط. وكان بين الانكليز والقوط عداوة ، لأن القوط كانوا نصارى والانكليز كانوا عبدة أوثان. ولكن القوط تصرفوا على هذا النحوكي يطردوا المسلمين من أوروبا. وقد نجحت عملية الانكليز. فاحتلوا المدينة وأضرموا فيها النار بعد أن ذبحوا أهلها (٣٢٨). ولكن عندما حكم ملوك وخلفاء قرطبة بلاد موريتانيا (٣٢٩) أعادوا بناءها وجعلوها في أحسن حالة وأمنع تحصينا من السابق. وهكذا أصبح سكان أرزيلا واسعي الثراء ومثقفين ورجال حرب ، وتنتج كورتها الكثير من الحبوب والثمار. ولكن لما كانت المدينة على مسافة عشرة أميال من الجبل فهي تفتقر كثيرا للحطب ، ومن عادة أهلها استعمال الفحم الذي يستوردونه بكميات كبيرة من العرايش كما سبق أن ذكرنا ذلك آنفا.
وفي عام ٨٨٢ هجرية (٣٣٠) هاجم البرتغاليون هذه المدينة على حين غرة وسقطت
__________________
(٣٢٥) وتكتب أزيلا وأصيلا وأرزيلا.
(٣٢٦) ان هذه المدينة التي تحمل اليوم اسما أسبانيا هو أرزيلا ، كانت تعود ، لأصل فينيقي. ثم أصبحت مستعمرة رومانية باسم يوليا قسطنطينة زيليس. أما العرب فسموها أزيلا أو أصيلا. والمسافة المذكورة حتى أعمدة هرقل تبرهن على أن المؤلف كان يأخذ في حسابه المضيق بين سبتة وجبل طارق ويحسب المسافة مرورا بطنجة ، وهي مسافة مبالغ فيها بالفعل ، كما أن المسافة المذكورة بين أصيلا وفاس أقل كثيرا من الحقيقة.
(٣٢٧) أو ٧١٣ م.
(٣٢٨) لقد وقع هذا الحادث بعد ١٣٥ عاما من الفتح الاسلامي لأرزيلا ، أي في أواخر العام ٢٢٩ ه ، في صيف عام ٨٤٤ م. ولم يكن هؤلاء طبعا من الانكليز بل من المجوس الذين كانوا يسمّون «الروس» كما يقول اليعقوبي ، الذي كتب عن ذلك بعد خمسة وأربعين عاما ، وقد أعقب الغارة على أرزيلا إنزال في لشبونة ، ثم عملية إنزال في أشبيلية في أول شهر تشرين الاول (اكتوبر) ٨٤٤ م. وقد حوصرت أشبيلية وسقطت وتخربت. وليس من المستبعد أن يكون ملوك اسبانيا النصارى الذين يعتبرون أنفسهم أحفادا شرعيين لملوك القوط قد حرّضوا النورمان أو الفايكنغ ضد المسلمين.
(٣٢٩) أي بعد انتصار عام ٩٩٧ م.
(٣٣٠) ٧ ربيع الأول ٨٧٦ ه الموافق لعام ١٤٧١ م.