جبل بني وليد
هذا الجبل عال جدا وعسير المرتقى (٤٤٨). وسكانه أغنياء لأن لديهم الكثير من الكروم ذات العنب الأسود ويصنعون منه الزبيب. ولديهم أيضا أراض واسعة مزروعة بكميات كبيرة من أشجار اللوز والتين والزيتون. ولا يدفعون لملك فاس أية عوائد سوى ربع دينار فقط عن كل دشرة ، مما يسمح لهم بالذهاب بأمان إلى فاس لإجراء صفقات البيع والشراء. وإذا أساء أحد إليهم لا يتركون قريب المذنب ، إذا مرّ من جبلهم ، يعود إلى بيته ما دامت هذه الإساءة لم تجبر.
ويظهر رجالهم بهندام جيد ، كما يتزينون بالحلى ، وكل مذنب من فاس ينفى الى بلادهم يلقى عندهم الأمان ، حتى إنه ليعيش على حسابهم في أثناء إقامته. ولو كان هذا الجبل يعترف بسلطة ملك فاس لاستطاع الملك أن يجني منه ستة آلاف دينار من الضرائب لأنه يضم ستين قرية ، ليس فيها قرية فقيرة (٤٤٩).
جبل مرنيسة
يتاخم هذا الجبل الجبل السالف الذكر. وينزع سكانه إلى الأصل نفسه الذي يرجع إليه بنو وليد (٤٥٠) ويعدلونهم ثراء وحرية ونبلا. ولكن تظهر لديهم خصلة ليست موجودة عند اولئك وهي أن كل امرأة تتلقى أية إهانة من زوجها ، مهما كانت ضئيلة ، تهرب إلى الجبال الأخرى ، تاركة أولادها ، وتتزوج رجلا آخر. وهذا هو السبب الذي يجعل الرجال يحملون على الغالب السلاح ويدخلون في مشاجرات مستديمة فيما بينهم. وإذا جنح الزوج القديم والجديد إلى الصلح وجب على الزوج الجديد ان يدفع للزوج القديم ما تجشمه من نفقات بسبب زواجه. وهم لا يعرفون التساهل في معاملاتهم. ولديهم قضاة مختصون يتسمون بالقسوة والجشع : لا يكتفون بسلخ جلود المشتكين البؤساء ، بل ينتزعون منهم قلوبهم نفسها (٤٥١).
__________________
(٤٤٨) يرتفع جبل درنكل ، في بلاد بني وليد ، إلى ١٦٠٢ م على الضفة اليسرى لنهر الورغة.
(٤٤٩) لقد تضاءلت اهمية بني وليد كثيرا في الوقت الحاضر.
(٤٥٠) يرى ابن خلدون ان مرنيسة هم من نفزاوة ، أما القبائل التي تجاورهم من الغرب فهي من صنهاجة.
(٤٥١) تعترف تقاليد بعض القبائل البربرية فعلا للمرأة بحق النشوز وهجربيت الزوجية ولا تزال مرنيسة تشغل دوما أعالي وادي الورغة شرقي بني وليد.