بدون أن يدفعوا أية ضريبة ، لا لقائد تازوته ولا لأمير آمجّاو ، ولا لأمير بادس ، لأن لديهم من الفرسان ضغف ما لدى الأمراء الثلاثة مجتمعين. ومن جهة أخرى لهم دالّة على أمير آمجّاو لأنهم ساعدوه في تقلد إمارته. كما يراعيهم ملك فاس أيضا ، لأن هؤلاء كانوا أصدقاء قدامى لأسرته قبل أن تصبح أسرة مالكة. ولهذا السبب استطاع أحد هؤلاء الجبليين ، وهو رجل مثقف ، وذو مكانة كبيرة ، وكان يشغل وظيفة محام في فاس ، استطاع أن يصون حرية مواطنيه ، وكثيرا ما كان يذكّر الملك بفضائل أجداده. وقد كانت هذه الصداقة مع بني مرين أكبر من ذلك أيضا بالنسبة لما كانت عليه من غابر الزمن ، لأن أم أبي سعيد ، وهو ثالث ملك من هذه الأسرة ، كانت ابنة وجيه كبير في هذا الجبل (٤٩٢).
جبل وردان
يتاخم هذا الجبل الجبل السابق من الشمال. ويمتد على طول يبلغ اثنى عشر ميلا باتجاه البحر المتوسط ، وعلى عرض ثمانية أميال (٤٩٣) حتى نهر النكور. وسكانه رجال أولو بأس وأغنياء كالسابقين. ويعقدون يوم السبت سوقا كبيرة على ضفة نهر صغير ، يتلاقى فيه القسم الأعظم من فلاحي غارت. ويأتي الكثيرون من باعة الحديد ايضا (٤٩٤) وتتم المبادلات التجارية حول أجهزة الخيل والزيت الذي يقايضونه مقابل الحديد ، لأن بلاد غارت لا تنتج الكثير من الزيتون. ولا يخطر ببال أحد هنا أن يصنع الخمر لأن السكان لا يتعاطونه بالرغم من جوارهم للريف حيث يعاقر السكان الخمر. وقد ظل سكان الجبل حينا من الدهر أتباعا لأمير بادس. ولكنهم حصلوا من ملك فاس ، أن يتنازل عن الضريبة إكراما لعالم داعية من أهل هذا الجبل. ولكن يقدم هذا الجبل للملك في كل عام مبلغا من المال ومن الخيول ومن العبيد (٤٩٥) ولكنهم لم يقبلوا أبدا أن يكونوا أتباعا لأمير بادس.
__________________
(٤٩٢) ولد أبو سعيد في ٩ تشرين الأول (اكتوبر) ١٢٧٩ م ونودي به ملكا في ٢٥ تشرين الثاني (نوفمبر) ١٣١٠ م وكانت امه عائشة ابنة أمير من عرب الخلوط.
(٤٩٣) ٢٠ كم في ١٢ كم.
(٤٩٤) وربما كان المقصود بذلك سوق السبت الحالي في بلاد تمسمان وهم الذين حلوا مكان الوردان على ضفة واد آمكران.
(٤٩٥) أو الهدية.