جبل بني يازغه
تسكن هذا الجبل قبيلة غنية ، محترمة جدا لأخلاقها الكريمة وأسلوب حياتها. ويجاور هذا الجبل الجبل السابق حيث ينبغ نهر سبو ويجري هنا بين جروف عالية. وقد بنى اهل المنطقة جسرا بديعا للعبور من ضفة لأخرى. فغرسوا في كل جانب من النهر عمودا ضخما صلبا ، وثبتوا بكرة فوق كل من هذين العمودين ، ثم مددوا من جانب لآخر حبالا غليظة من الليف تنزلق في هاتين البكرتين. وقد ربطت بهذه الحبال قفة عميقة متسعة متينة تتسع لعشرة أشخاص يجلسون فيها بكل راحة ، وعلى من يرغب في عبور النهر ان يدخل في القفة وان يجر الحبلين من الطرفين المثبتين بها. فينزلق هذان الحبلان في البكرتين بسهولة ، وبهذه الطريقة تنطلق القفة نحو الضفة المقابلة وفي احدى المرات التي دخلت فيها هذه القفة حكى لي احدهم انه حدث منذ زمن طويل أن أراد عدد من الأشخاص يزيد عن طاقتها أن يركبوا في القفة ، فأدت زيادة الحمولة الى انهيار القفة المذكورة فسقط قسم من الناس في النهر بينما تشبث قسم آخر بالحبال ، وتم إنقاذ هؤلاء بمشقة ، ولم يظهر بعد ذلك اثر للذين سقطوا في النهر. وقد وقف شعر رأسي انزعاجا من سماع هذه القصة ، فقد نصبت هذه العبّارة في الحقيقة بين قمتي جبلين ، بحيث ترتفع عن مستوى النهر بنحو مائة وخمسين ذراعا (٥٤٢) حتى ليظهر الرجل الواقف عند ضفة النهر في نظر الجالس في هذه القفة كأن قامته شبر واحد (٥٤٣).
ولسكان جبل يازغه عدد كبير من الحيوانات لأن منطقتهم كثيرة الاحراش. والصوف الذي يحصلون عليه من أغنامهم شديد النعومة ، وتصنع منه نساؤهم أقمشة كالحرير ، ويصنعن من هذه الأقمشة ثيابا لهن وأغطية للسرر. ويباع الواحد من هذه الأغطية في فاس بثلاثة أو أربعة دنانير ، كما يستخرج هؤلاء الكثير من الزيت من زيتون جبلهم. ولكنهم يخضعون لملك فاس ، ويفيد سكان فاس القديمة من الإتاوة التى
__________________
(٥٤٢) ٧٠ م.
(٥٤٣) ٢٤ سم.