مطلقا لهذا المكان إذا ما خرجا على قيد الحياة. أما الذين كانوا ينتظرونهما في الخارج فقد افترضوا ، بعد ان لاحظوا عدم عودة أي واحد منهم ، أن كارثة ما حدثت لهؤلاء. وهكذا نزل خمسة منهم مزودين بفوانيس جيدة وقدّاحات وراحوا يجوبون الأنفاق ويطلقون صرخات ينادون بها رفاقهم. وأخيرا عثروا على الرجلين في الحالة التي وصفنا ، ولكنهم لم يعرفوا ما حدث للثالث. فقد ضل الأخير سبيله كما حدث للرجلين. ولما لم يعرف إلى أين يتجه توقف في مكانه إلى ان سمع نباحا يشابه عواء جراء الكلاب. فتقدم في الاتجاه الذي كان يبدو له أن الصرخات كانت تصدر عنه ، فوجد أربعة حيوانات صغيرة يبدو عليها انها ولدت منذ عهد قريب جدا. وما ان وصل لهناك حتى جاءت الأم التي كانت تشبه ذئبة (٥٦٢). ولكنها كانت أكبر جسما وهذا الحيوان الذي يلد صغاره في الكهوف أو في جحور يدعى الضبع. وقد تسمّر هذا الشاب البائس في مكانه خوفا من أن يؤذيه هذا الحيوان. ولكنها راحت تلعق صغارها ، ثم ذهبت وشأنها ، يتبعها جراؤها خطوة فخطوة. وتابعها هو ، فأخذ يسير في إثر الحيوانات حتى وصل الى مخرج باطني عند حضيض الجبل. وإذا سألني أحد : كيف استطاع هذا أن يرى بصيص نور في هذا المكان؟ ، فإني سأجيبه بأن الوقت المتطاول الذي قضاه في دياجير الظلمة ساعده على رؤية القليل من النور ، كما يحدث هذا لأولئك الذين يمضون وقتا ما في الأماكن المظلمة.
والآن ومع توالي السنين امتلأ هذا البئر بالماء لأن الارض حفرت كثيرا حتى استوت وانبسطت (٥٦٣).
جبل خنيق الغربان
يجاور هذا الجبل الجبل السابق. وهو مكسو بغابات يعيش فيها الكثير من الأسود ، ولا توجد فيه أية مدينة او قرية ، وهو غير مأهول بسبب البرد. وينبع منه نهر صغير. وجروف هذا الجبل عالية جدا ويسكنه الكثير من الغربان ومن ثم جاء اسمه. وكثيرا ما تهب أحيانا في هذا الجبل ريح شمالية تقذف بكميات كبيرة من الثلج
__________________
(٥٦٢) لا يوجد الذئب في هذه الأنحاء.
(٥٦٣) لا تزال المائه بير معروفة حتى الآن وتقع على مسافة ١٠ كم غرب ممر آنجناس الذي يجتازه الطريق من فاس إلى تافيلالت وعلى مسافة ٦ كم تقريبا جنوب ضية إفران.