مملكة تلمسان
يحد مملكة تلمسان من الغرب نهرزا ونهر الملوية ، ومن الشرق نهر الواد الكبير (١) وصحراء نوميديا من الجنوب. وكانت هذه المملكة تدعى في القديم قيصرية (٢). وكانت في ذلك العصر تحت سلطة الرومان. وبعد أن غادر الرومان افريقيا ، عادت الى ملوكها القدامى الذين كانوا من بني عبد الواد ، وهو فرع من قوم مغراوة. واحتفظوا بإمارتها مده ثلاثمائة عام إلى أن استلم السلطة الملكية أمير كبير اسمه غمراسن بن زيّان ، وظلت في أيدي أحفاده. وقد بدّل هؤلاء الملوك اسم الأسرة وأصبحوا يدعون بني زيان ، أي أبناء زيان ، الذي كان والد غمراسن (٣).
واحتفظ بنو زيان بالسلطة مدة ثلاثمائة سنة ، ولكنهم تعرضوا لمضايقات ملوك فاس ، اي من بني مرين. واستنادا إلى ما يرويه التاريخ فإن مملكة تلمسان خضعت عشر مرات لهؤلاء الملوك فتحا. وفي ذلك العصر سقط بعض ملوك بني زيان قتلى ، كما وقع بعضهم أسرى ، في حين اضطر بعضهم إلى الالتجاء الى الصحارى عند جيرانهم
__________________
(١) ويسمى حاليا واد الصمّام.
(٢) موريتانيا القيصرية.
(٣) يبدو أنه على أثر الفتح العربي في بداية القرن السابع ميلادي كانت القبائل المستقرة في منطقة تلمسان تحت سلطة فرع من بني ايفرن ، وهي إحدى القبائل الرئيسية من زناته ، وهم من الرعاة والبدو. وكان فرع من مغراوة ، وهو أهم أقوام زناته ، يشغل المنطقة الواقعة إلى الشرق من ذلك. وفي ذلك الوقت كان بنو عبد الواد ، وهم فرع من بني واسين ، وهؤلاء قبيلة أخرى من زناتة ، كانوا في حالة بداوة ، يتجولون في الزاب وفي جبال الأوراس. وقد شكّل بنو عبد الواد فرقة من جيوش عقبة بن نافع الذين قادهم في مسيرته نحو الغرب عام ٦٨٢ ه وأبلوا معه بلاء حسنا. وقد انهارت قوة بني ايفرن في أثر الفتح الفاطمي في القرن العاشر الميلادي أمام مغراوة الذين لم يفقدوا سلطتهم في تلمسان إلا على أثر فتح هذه المدينة على أيدي المرابطين عام ١٠٧٩ م. وفي هذا العصر تمت إزاحة بني عبد الواد عن الزاب في منطقة قسنطينة على يد العرب الهلاليين ، وجاءوا ليستقروا في جنوب منطقة وهران الحالية. ولم يظهروا على مسرح الأحداث في منطقة تلمسان إلا في أواسط القرن الثامن عشر الميلادي ، كخصوم أولا ثم كحلفاء الفاتح الموحّدي عبد المؤمن. وفي عام ١٢٣٦ م أخذ أميرهم يغمراسن بن زيان ، وكان محاربا قديرا ، كل صفات الزعامة الملكية ، تحت رئاسة الخليفة الموحّدي في مراكش ، وكان هذا رد فعل ضد بني مرين ، وهم من زناته بني واسين ، الذين أصبحوا سادة في شمال المغرب.