في كل ليلة لأن فقرهم لا يسمح لهم بأن يدفعوا مرتبات العساكر. والأراضي الواقعة بالقرب منها حصوية وهزيلة ، ولا ينبت فيها سوى القليل من الشعير والذرة ، ولباس سكانها رث ، وهم أجلاف تعوزهم التربية.
مدينة حنين
حنين مدينة صغيرة قديمة أقام بنيانها الأفارقة. وهي لطيفة جدا وتتمتع بصيانة كبيرة. وتملك مرسى صغيرا محميا ببرجين ، كل واحد من طرف. وهي محاطة بأسوار عالية وحصينة ولا سيما من طرف البحر. وتأتي سفن البنادقة كل سنة. ويحصل هؤلاء في كل سنة على أرباح طائلة بالمتاجرة مع تجار تلمسان التي لا تبعد عن حنين بأكثر من أربعة وثلاثين ميلا (٢٧). وعند ما سقطت وهران بيد الأسبان لم يعد البنادقة كعادتهم يقصدون المدينة المذكورة المليئة بالجنود الأسبان. وكان سكان حنين في الماضي أناسا نبلاء ومتميزين. وكانوا جميعا يعملون في صناعة القطن والمنسوجات. وكانت بيوتها جميلة جدا منمّقة. وكان لكل بيت بئره من الماء العذب وصحنه المزين بحاملات الكروم ، وكانت المنازل مبلطة ببلاط ملوّن. كما كانت سطوح الغرف أيضا مبلّطة بنفس البلاط كذلك ، وكانت الجدران مكسوّة برمتها بالفسيفساء الفنّي. ولكن عند ما بلغهم نبأ سقوط وهران (٢٨) تركوا جميعا المدينة وظلت مهجورة. ويرسل اليها ملك تلمسان ، أمير قصر يشغل القلعة مع بعض الجنود المشاة ، وذلك لكي يخبر الملك عن وصول السفن التجارية.
ولا تزال المزارع التي تجاورها تنتج حتى الوقت الحاضر كميات من الثمار كالكرز والمشمش والتفاح والكمثرى والدّراق ، ومقادير لا تحصى من التين والزيتون. ولكن ليس هناك من يقطفها في البساتين الواقعة على حافة النهر القريب من المدينة وحيث شيّدت الطواحين. وعند ما مررت من هنالك ، تألمت من شدة التأثر بعد أن لا حظت الحالة البائسة التي انحدرت اليها المدينة. وقد كنت بصحبة حاجب تلمسان الذي جاء لجباية الرسوم من سفينة جنوية ، جلبت بضائع لتموين تلمسان لمدة خمسة أعوام.
__________________
(٢٧) ٥٤ كم.
(٢٨) في ١٨ أيار (مايو) ١٥٠٩ م.