المدينة الكبرى تلمسان
تلمسان (٣٤) مدينة كبيرة وعاصمة المملكة. ولا يذكر التاريخ اسم مؤسسها (٣٥) ويقال أنها كانت مدينة صغيرة أخذت في الامتداد في اعقاب خراب رشغون ، وخاصة بعد أن طردت قوات الحاجب المنصور من المنطقة. وعندما حكمت أسرة عيد الواد (٣٦) توسعت تلمسان حتى أنها أصبحت تحوي ست عشرة ألف أسرة في عهد الملك تاشفين (٣٧) وبلغت حقا درجة سامية من الأزدهار.
ولكن تلمسان قاست كثيرا لأن يوسف ، وهو ثاني ملك من بني مرين ، ضرب الحصار عليها ، وبنى مدينة أخرى الى الشرق منها ، وظل محاصرا تلمسان مدة سبعة أعوام (٣٨). وبلغ الغلاء درجة جعلت كيل القمح يصل إلى سعر قدره ثلاثون دينارا وكيل
__________________
ـ القيروان الفاطمي عبيد الله بالاستيلاء على بلاد البربر الغربية ابتداء من تاهرت التي دانت له بالطاعة عندئذ حتى البحر ، وذلك بواسطة أمير زناتي هو موسى بن أبي العافية ، أمير قبيلة مكناسه شمالي تازة. وقد اعترف أمير ارشغول بسلطة خليفة القيروان. ولكن في شهر آب (أغسطس) ٩٣٢ م تخلّى موسى المذكور عن ولائه للفاطميين كي ينحاز لسلطة الخلفاء الأمويين في قرطبة وكادت القوات الأندلسية أن تستولي على جزيرة ارشغول في شهر أيلول (سمبتمبر). واضطر الأمير السليماني إلى الاستسلام بعدئذ ، لأن الخليفة الفاطمي ابا القاسم محمدا القائم عمد بعد أن تسلّم زمام الحكم إلى إرسال قائده الأعلى ، منصور الخصّي ، كي يفتح المغرب من جديد وقام هذا ، في عام ٩٣٥ م ، بنفي أمير ارشغول السليماني الى المهدية. ويسود الصمت بعدئذ على تاريخ ارشغول التي ظلت مع ذلك مدينة مزدهرة. ولا نعرف شيئا عن العمليات الأموية التي ربما حدثت فوق هذه المنطقة ، ولا عن احداث عام ٤١٠ ه / ١٠١٩ م. وقد تخربت مدينة ارشغول شأن عدد كبير من امثالها بين تلمسان وسوق حمرة ، التي تدعى اليوم بويره ، على أثر التمرد الزناتي الكبير الذي حرض عليه الدعىّ المرابطي يحيى بن غانية بعد عام ١٢٠٨ م ، وهو التمرد الذي قوضّ سلطة الموحدين في المنطقة لأن كل الجيش الموحدي أبيد تقريبا بعد هزيمة لا نافاس دوتولوزا أو حصن العقاب بتاريخ ٦١٠ ه / ١٢١٣ م لا في عام ٤٠٠ ه كما يذكر المؤلف. وقد عمل سكان ارشغول الذين التجأو الى تلمسان على ازدهار هذه المدينة الأخيرة التي اصبحت في عام ١٢٣٦ م عاصمة السلطنة الزناتية أو بني عبد الواد ، ولكن ظلت جزيرة ارشغول مع ذلك ميناء تتردد عليه المراكب.
(٣٤) جاء اسم تلمسان من كلمة بصيغة الجمع بالبربرية ، وتنسب الى تلماس ، وتيلمس ، ومعناها المكان الذي يستقر فيه الماء.
(٣٥) كانت تدعى بوماريا في العصر الروماني ، أي مزرعة الأشجار المثمرة.
(٣٦) والصحيح أسرة بني زيان من قبيلة بني عبد الواد.
(٣٧) أبو تاشفين عبد الرحمن وحكم بين تموز (يوليه) ١٣١٨ م و ٢٩ نيسان (ابريل) ١٣٣٧ م.
(٣٨) استمر حصار تلمسان من قبل ابي يعقوب يوسف الناصر ثمانية اعوام ، أي من ١٢٢٩ الى ١٠ أيار (مايو) ١٣٠٧ م وقد قامت المدينة المرينية ، المنصورة ، الى الغرب من تلمسان وليس في شرقها كما ورد اعلاه.