تلك الفترة ، أن من المناسب فرض رسوم وضرائب تجارية على مدينة تلمسان التي كانت معفاة في عهد الملوك السابقين. وأدّى ذلك لحنق الشعب ، وعند ما رأى ابنه (٥٥) الذي خلفه (٥٦) الإبقاء على هذه العوائد ، بدوره ، طرد من تلمسان وخسر مكانته (٥٧) ، واضطر في سبيل استرداد مملكته إلى أن يلقي بنفسه على أقدام الامبراطور شارل (٥٨) الذي أعاده كما رأينا ، إلى عرشه. وظلت مملكة تلمسان ، خلال العديد من السنين ، أي عند ما كانت وهران تابعة لها ، ظلت تحقق دخلا يبلغ ثلاثمائة ألف ، وحتى أربعمائة ألف دينار. ولكن يدفع نصف هذا المبلغ تقريبا للعرب على شكل إتاوات لهم ولحراس المملكة. ثم تأتي معاشات القوات العسكرية وقوادها ، ومرتبات كبار موظفي البلاط. وكان الملك (٥٩) ينفق هو أيضا بسخاء على بيته ونفقات التمثيل ، لأنه كان ملكا كريما جدا ومضيافا مقصودا. وقد قضيت بضعة شهور في بلاطه في مرات مختلفة وأقمت فيه ، وسأضرب صفحا عن عدة تفاصيل تتعلق بعادات وتنظيم هذا البلاط لأنها مماثلة لتلك التي تكلمت لكم عنها في بلاط فاس ، وحتى لا أبعث فيكم الملل بسبب الوصف المسهب.
مدينة عبّاد
عبّاد (٦٠) مدينة صغيرة ، هي نوع من ربض ، على مسافة ميل تقريبا من تلمسان ، في اتجاه الجنوب ، أي في الجبل (٦١). وهذه البلدة مزدهرة جدا ومأهولة بالسكان بشكل طيب. وتضم العديد من الصناع ، ومعظمهم من الصبّاغين. وفيها دفن وليّ كبير واسع الشهرة. ويقع ضريحه في جامع ، ويزار بعد نزول سلّم متعدد الدرجات. ويكرّم سكان تلمسان والمناطق المجاورة لها مباشرة هذا الولي كثيرا ويتضرعون إليه ويقدمون العديد من الصدقات لوجه الله. ويدعى سيدي مدين (٦٢).
__________________
(٥٥) أبو حمّو.
(٥٦) في ١٥١٦ م.
(٥٧) في ١٥١٧ م.
(٥٨) وهو الملك شارل الأول ملك اسبانيا والذي لم يصبح بعد الامبراطور شارل الخامس ، أو شارلكان.
(٥٩) أبو عبد الله محمد.
(٦٠) «العبّاد» جمع عابد معناها النسّاك ، وتدعى المدينة اليوم «بومدين».
(٦١) على مسافة ٢ كم إلى الشرق على السفح الجبلي وعند حضيضه تقريبا.
(٦٢) أبو مدين شعيب بن الحسن الغوط ، ولد في اشبيلية حوالي العام ١١٢٦ ومات قرب تلمسان في ١١٩٨ م.