ميديه
وهي مدينة بناها الأفارقة على تخوم نوميديا ، على مسافة ثمانين ميلا تقريبا من البحر المتوسط (١٢٧). وتقع في سهل خصيب جميل للغاية وتحيط بها عدة أنهار صغيرة وبساتين. وسكانها أغنياء لأنهم يتاجرون مع نوميديا. وهم جيدو الهندام يقطنون بيوتا جميلة. بيد أنهم يتعرضون لتعسف العوائد التي يدفعونها للعرب. ونظرا إلى أنهم يبعدون مسافة مائتي ميل (١٢٨) عن تلمسان ، فإن ملكها لا يستطيع أن يدافع عنهم ولا أن يسيطر عليهم. وقد كانت ميديه بيد أمير تينس ، ثم آلت إلى بربروس ، ثم إلى أخيه (١٢٩). وقد مكثت بهذه المدينة مدة شهرين تقريبا ، وكانت إقامتي فيها ممتازة ،
__________________
ـ تاهرت ، ولا تختلف في استعمالها عن تسمية تيارت لدينا ، وربما خربت المدينة الرومانية عام ٦٨٢ م على أثر حملة عقبة من نافع الذي خاص معركة في هذا الموقع. وأعيد بناء المدينة سنة ١٤٤ ه / ٧٦١ م على يد عبد الرحمن بن رستم ، زعيم الخوارج الاباضيين والوهبيين الذي قدم ليسكنها بعد أن طرد من القيروان ، ونادى بنفسه خليفة. وقد استمرت هذه الخلافة ، العزيزة دوما على قلوب سكان «المزاب» الحاليين ، ورثة هذه العقيدة ، استمرت مدة ١٥٢ سنة هجرية ، أي حتى رمضان ٢٩٦ ه / حزيران (يونية) ٩٠٩ م ، وكان لتاهرت بريق جعلها تستحق لقب عراق المغرب ، وكانت سلطتها تضم شرقا جبل نفوسة جنوبي طرابلس ، الذي لا زالت جماعة من الخوارج الأباضية تقيم فيه ، وهم بربر ، وبلغت جنوبا ضفاف النيجر ، وامتدت غربا حتى الإمارات «الخارجية» حتى لقد كان لها منفذ على البحر في مرسى فروج أو فاروخ ، وربما في موقع بلدة تدعى بالفرنسية بوسكيه حاليا ، وشرقا حتى رأس إيفي. والواقع كان هناك مدينتان تحملان اسم تاهرت ، كما كان هناك فولوبيليس ووليلي ، وزالي ومسيلة ... الخ. وقد اتخذت المدينة التي بناها عبد الرحمن بن رستم اسم تاهرت الجديدة ، أو السفلى ، او تغدمت ، في حين استخدم الحصن الروماني القديم الذي يحرس المدينة من الشرق ، في عهد الأمير الرستمي ، استحدم قلعة لقبيلة بركجانه ، واتخذ اسم تاهرت القديمة أو العليا ، وهي تيارت الحالية. وكانت مدينتا تاهرت على قدر كبير من الأهمية ، لأن تاهرت الجديدة كانت المدينة التجارية على الخصوص. ولا نزال نجهل تاريخها ، لأن كتب التاريخ دمجتها في نفس التسمية. وكان الدعي الفاطمي أبو عبد الله هو الذي قضى على الأسرة الرستمية في حزيران (يونية) ٩٠٩ م عند ما انطلق من القيروان إلى سجلماسة لإنقاذ المهدي عبيد الله الذي كان سجينا. وظلت تاهرت مع ذلك مركزا هاما جدا تعرض لتقلبات كثيرة إلى أن خربت ، ويظهر أن خرابها وقع بعد الغارة التي شنها عليها في عام ١٢٠٨ م الدعي المرابطي يحيى بن غانية والتمرد الزناتي العنيف الذي أعقب ذلك : وفي ١٢٢٣ م لم يبق فيها شيء سوى الآثار. ولم يغفل المؤلف ذكر مدة بقاء الخليفة الرستمي ولا بريق خلافته ، ولكنه أخطأ بتقديمه على أنه أمير سليماني. فقد أسس سليمان بن عبد الله ، أخو إدريس وحفدته ، بالفعل ، في بلاد التل كثيرا من إمارات ، امتدت من نومالاته ، وهي مغنية الحالية في الغرب حتى سوق حمزة ، وهي البويرة الحالية شرقا ، ولكنها تعايشت مع الخلافة الرستمية ، وقد تم القضاء عليها جميعا في القرن العاشر الميلادي مع الفتح الفاطمي.
(١٢٧) لا تبعد ميديه أكثر من ٥٦ ميلا أو ٩٠ كم عن الجزائر. وكانت هي المدينة الرومانية التي كانت تدعى لاميديا ، بإسم لمديّه ، وهي قبيلة صنهاجية. ولا تزال أسرة في ميديه تدعى حتى الآن بالعربية لمداني.
(١٢٨) على الاقل ٣٠٠ ميل أو ٤٨٠ كم.
(١٢٩) أي كانت بيد عروج بربروس ثم آلت إلى خير الدين.