مملكة بجاية وتونس
عندما قسّمت بلاد البربر الى ممالك ، في بداية هذا المؤلف ، اعتقدت أن من الواجب اعتبار دولة بجاية مملكة ، ثم تأملت القضية بترو فلاحظت أن بجاية لم تكن أبدا مدينة ملكية إلا منذ عهد قريب وحتى الأزمنة الأخيرة ، وأن حكومة هذه المدينة تتبع فعلا ملك تونس. ولكنها كانت تحت حكم ملوك تلمسان وظلت مدة طويلة تابعة لهم ، الى أن شعر أبو فارس ، ملك تونس ، أنه أصبح على درجة كبيرة من القوة ، فقام على رأس جيشه بحملة انتهت ببسط يده على بجاية ، وأصبح ملك تلمسان تابعا يدفع له الضريبة (١). وترك أبو فارس أحد أبنائه وهو عبد العزيز حاكما وأميرا على بجاية ، وذلك كي يؤمن سلامة هذه المدينة. ولتلافي الفتن التي قد تنشب بين أبنائه بعد وفاته ؛ أعطى ابنا آخر وهو عثمان ، مملكة تونس وحكم هذا الأخير مدة أربعين سنة. وأعطى ابنا ثالثا ، يدعى عمار ، قيادة بلاد الجريد. وقد ثار هذا ضد أخيه عثمان ، ملك تونس ، فطاره هذا إلى أن أحتل مدينة صفاقس. واختار المتمرد عقابه بنفسه : فسملت عيناه واقتيد الى تونس حيث عاش ضريرا بضعة اعوام. وظل أمير بجاية مطيعا لأخيه على الدوام (٢). وظلت السلطة الملكية لمدة طويلة في أسرة أمير بجاية الى ان
__________________
(١) في الحقيقة لم تكن بجاية اكثر من ميناء صغير يعيش فيه بحارة اندلسيون وظلت كذلك الى ان رأى الملك الحمّادى الناصر بن آليناس ، في عام ١٠٦٧ م ، وهو امير دولة صنهاجة كبيرة وقوية ، حينما حاصره عرب بني هلال في عاصمته تاكر بوست ، او قلعة بني حماد ، رأى ان من الحكمة ان يلتجىء الى الساحل ، وبنى هذه المدينة (بجاية) التي اصبحت عاصمة بني حماد حتى سقوطها بيد الخليفة الموحدي عبد المؤمن سنة ١١٥٢ م. وظلت بعد ذلك رغم التقلبات المختلفة والمتعددة ، عاصمة ولاية في الامبراطورية الموحدية في مراكش اولا ، ثم في تونس. وفى عام ١٤٢٤ م قام سلطان تونس ابو فارس عبد العزيز باجتياح تلمسان وأخضع مملكة بني عبد الواد.
(٢) على اثر موت ابي فارس ، في ١٨ تموز (يوليه) ١٣٤٣ م ، كان وريثه وولي عهده حفيده ، ابو عبد الله محمد المنتصر ، هو الذي خلفه. وعهد هذا الاخير الى احد اعمامه وهو أبو الحسن علي ، بحكومة بجاية. ولكنه سمل عيني عم آخر ، وهو المعتمد ، الذي ثار عليه وهرب عند تسنّمه السلطة (سبتمبر) ١٤٣٥ م.
وعين مكانه اخوه ، ابو عمرو عثمان ، الذي توفي في بداية أيلول (سبتمبر) ١٤٨٨ م ، بعد خمسة واربعين عاما هجريا من الحكم المجيد. وعند جلوسه على العرش قام عمه حاكم بجاية ، ابو الحسن علي ، بالتمرد عليه. وانتهى الامر بعد تقلبات مختلفة ، الى الحكم على هذا المتمرد بالاعدام في شهر تشرين الأول (اكتوبر) ١٤٥٢ م.